في الخمر كذا أي في تحريمها. والقولان متقاربان ، أو هما واحد فإنه لم ينزل سوى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) الآيات. واختيار الجمهور أن الله تعالى أنزل القرآن في رمضان. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «نزلت صحف إبراهيم أوّل ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين» (١) ثم إنه لا شك أن القرآن قد نزل منجما مفرقا على حسب المصالح والوقائع ، فأوّلت الآية بأن المراد أنه ابتدئ فيه إنزاله وذلك ليلة القدر. ومبادئ الملل والدول هي التي يؤرخ بها لشرفها وانضباطها. وهذا قول محمد بن إسحق. أو أنه أنزل جملة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل إلى الأرض نجوما ، وليس يبعد أن يكون للملائكة الذين هم سكان سماء الدنيا مصلحة في إنزال ذلك إليهم ، وفيه مصلحة للرسول من حيث توقع الوحي عن أقرب الجهات. ولعل فيه مصلحة لجبريل المأمور بالإنزال والتأدية ولا سيما على رأي الفلاسفة الذين جبريل عندهم هو العقل الفعال الأخير الذي يدبر عالم الكون والفساد وخاصة نوع الإنسان. وعلى هذا القول يحتمل أن يقال : إن الله تعالى أنزل كل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر ، ثم نزله على محمد صلىاللهعليهوسلم منجما إلى آخر عمره. ويحتمل أن يقال : إنه سبحانه كان ينزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر كل سنة ما يحتاجون إليه في تلك السنة وكذلك أبدا إلى أن تم إنزاله. وعلى هذا يكون تعين رمضان الذي أنزل فيه القرآن نوعيا لا شخصيا (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ) منصوبان على الحالية أي أنزل وهو هداية للناس إلى الحق وهو آيات واضحات مكشوفات من جملة ما يهدى إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل من الكتب السماوية. وذلك أن الهدى قسمان : جلي مكشوف وخفي مشتبه ، فوصفه أولا بجنس الهداية ثم قال : إنه من نوع البين الواضح. ويحتمل أن يقال : القرآن هدى من نفسه ومع ذلك ففيه أيضا بينات من هدى الكتب المتقدمة ، فيكون المراد بالهدى والفرقان والتوراة والإنجيل ، أو يقال : الهدى الأول أصول الدين ، والثاني فروعه ، فيزول التكرار. نقل الواحدي عن الأخفش والمازني أن الفاء في (فَمَنْ شَهِدَ) زائدة إذ لا معنى للعطف والجزاء هاهنا وهذا وهم لظهور كونها للجزاء كأنه قيل : لما علمتم اختصاص هذا الشهر بفضيلة إنزال القرآن فيه فأنتم أيضا خصوه بهذه العبادة ، ومعنى شهد أي حضر. ثم قيل : إن مفعوله محذوف (وَالشَّهْرَ) منصوب على الظرف وكذلك الهاء في (فَلْيَصُمْهُ) ولا يكون مفعولا به كقولك «شهدت الجمعة» لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان الشهر. فالمعنى فمن شهد منكم في الشهر المذكور المعلوم البلد أو المقام فليصم في الشهر.
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٤ / ١٠٧).