كانوا على مسافة القصر فليسوا من الحاضرين ، وبه قال أحمد. وعن أبي حنيفة أنهم أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة. والمواقيت : ذو الحليفة على عشر مراحل من مكة وعلى ميل من المدينة ، والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب على خمسين فرسخا من مكة ، ويلملم من صوب اليمن وقرن لنجد الحجاز ، وذات عرق من صوب المشرق والعراق وخراسان وكل هذه الثلاثة من مكة على مرحلتين. فهذه هي المذاهب وأوفقها للآية. مذهب مالك لأن أهل مكة هم الذين يحضرون المسجد الحرام. إلا أن الشافعي قال : قد يطلق المسجد الحرام على الحرم قال تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] ورسول الله صلىاللهعليهوسلم أسري به من الحرم لا من المسجد. وقد يقال : حضر فلان فلانا إذا دنا منه. ومن كان مسكنه دون مسافة القصر فهو قريب نازل منزلة المقيم في نفس مكة. وفي مذهب أبي حنيفة بعد ، فإن يؤديّ إلى إخراج القريب من الحاضرين وإدخال البعيد لتفاوت مسافات المواقيت ، ثم إن مسافة القصر مرعية من نفس مكة أو من الحرم الأعراف هو الثاني لما قلنا إن المسجد الحرام يراد به جميع الحرم. قال الفراء : ذلك لمن لم يكن معناه ذلك الفرض الذي هو الدم أو الصوم لازم على من لم يكن من أهل مكة كقوله صلىاللهعليهوسلم «اشتراطي لهم الولاء» أي عليهم وذكر حضور الأهل والمراد حضور الحرم لأن الغالب على الرجل أنه يسكن حيث أهله ساكنون (وَاتَّقُوا اللهَ) في محافظة حدوده وما أمركم به ونهاكم عنه في الحج وغيره (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن تهاون بحدوده. قال أبو مسلم : العقاب والمعاقبة سيان ، واشتقاقهما من العاقبة كأنه يراد عاقبة فعله السيء كقول القائل «لتذوقن فعلك».
التأويل : حج الخواص حج رب البيت وشهوده وهذه سيرة إبراهيم صلىاللهعليهوسلم كما قال (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) [الصافات : ٩٩] ولكنه أحصر في السماء السابعة فلا جرم أهدى بإسماعيل ، ولما أسري بالنبي صلىاللهعليهوسلم وكان ذهابه بالله ما أحصره شيء فقيل له (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وجرى ما جرى (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ٩ ، ١٠] ثم قال لأمته : اسعوا في إتمام صورة الحج بقدر استطاعتكم ، وفي الحقيقة بأن تخرجوا وجودكم (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) بأعداء النفس والهوى أو لملال القلب أو لكلال الروح أو باستجلاء الأحوال أو بتمني الآمال (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أعلاها الروح وأوسطها القلب وأدناها النفس يهدي ما كان الإحصار به. (وَلا تَحْلِقُوا) لا تشتغلوا بغير الله حتى تبلغوا المقصد ، فإن عرض مرض في الإرادة أو يعلوه أذى من المزاحمات من غير فترة من نفسه فلم يجد بدا من الإناخة بفناء الرخص ، فليجتهد أن يتداركه بالفدية فقد