الأجنبية. وأما الجدال فإنه فعال من المجادلة وأصله من الجدل والفتل كأن كل واحد من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن رأيه. واختلف المفسرون فيه. فعن الحسن : هو الجدال الذي يفضي إلى السباب والتكذيب والتجهيل ، وإنه واجب الاجتناب في كل حال إلا أنه مع الرفقاء وفي الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة ، وقال محمد بن كعب القرظي : إن قريشا كانوا إذا اجتمعوا بمنى قال بعضهم : حجنا أتم. وقال آخرون : بل حجنا أتم. وقال آخرون : بل حجنا أتم. فنهاهم الله عن ذلك. وقال مالك في الموطأ : الجدال في الحج أن قريشا كانوا يقفون عند المشعر الحرام في المزدلفة بقزح وإنه جبل هناك ، وكان غيرهم يقفون بعرفات ، وكل من الفريقين يقول : نحن أصوب. وقال القاسم بن محمد : كانوا يجعلون الشهور على العدد فيختلفون في يوم النحر بسبب ذلك. فبعضهم يقول هذا يوم عيد ، ويقول آخرون بل غدا فكأنه قيل لهم : قد بينا لكم أن الأهلة هي مواقيت الحج فاستقيموا على ذلك ولا تجادلوا فيه. قال القفال : ويدخل في هذا النهي ما جادلوا فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فشق ذلك عليهم وقالوا : نروح إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيا. فقال صلىاللهعليهوسلم «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة» فتركوا الجدال حينئذ. وقال عبد الرحمن بن زيد : جدالهم في الحج اختلافهم في أن أيهم المصيب مقام إبراهيم. وقيل : إنه النسيء نهوا عن ذلك فإن الزمان قد عاد إلى ما كان عليه الحج في وقت إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، قال القاضي أبو بكر الباقلاني : لو حمل النفي في الألفاظ الثلاثة على الخبر وجب أن يحمل الرفث على الجماع ، والفسوق على الزنا ، والجدال على الشك في الحج ، ليصح خبر الله تعالى بأن هذه الأشياء لا توجد مع الحج المعتبر. وإن حملنا الكلام على النهي صح أن يراد بالرفث الجماع ومقدماته وقول الفحش ، وبالفسوق جميع أنواعه ، وبالجدال جميع أصنافه ، فعلى هذا يكون في الآية بعث على الأخلاق الحميدة والآداب الحسنة. وبالحقيقة لا رفث نهي عن طاعة القوّة الشهوية التي توجب الانهماك في الفجور ، ولا فسوق إشارة إلى قهر القوّة الغضبية الداعية إلى التمرد والاستعلاء ، ولا جدال رمز إلى تسخير القوّة الوهمية التي تحمل الإنسان على الخلاف في ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله وأحكامه ، فمنه تنشأ الآراء المتخالفة والأهواء المتصادمة والعقائد الفاسدة والمذاهب الباطلة. واعلم أن الجدال ليس منهيا عنه بجميع أقسامه وإنما المذموم منه هو الذي منشأه صرف العصبية ومحض المراء لتنفيذ الآراء الزائفة وتحصيل الأعراض الزائلة والأغراض الفارغة ، وأما الذب عن الدين القويم والدعاء إلى الصراط المستقيم وإلزام الخصم الألد وإفحام المعاند اللجوج بمقدمات