إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) [البقرة : ١٢٧] ولما ذكرنا آنفا من مقام إبراهيم أو لأن الحاج يتعارفون فيه إذا وقفوا ، أو لأنه تعالى يتعرف فيه إلى الحاج بالمغفرة والرحمة. وقيل : اشتقاقها من الاعتراف لأن الناس يعترفون هنالك للحق بالربوبية والجلال ، ولأنفسهم بالفقر واختلاف الحال. يقال : إن آدم عليهالسلام وحوّاء لما وقفا بعرفات قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ، فقال الله سبحانه : الآن عرفتما أنفسكما. وقيل : من العرف وهو الرائحة الطيبة لأن المذنبين يكتسبون بالمغفرة روائح طيبة عند الله مقام ضدها. قال صلىاللهعليهوسلم «خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك» (١) وقد يسمى يوم عرفة يوم إياس الكفار من الإسلام ويوم إكمال الدين ويوم إتمام النعمة ويوم الرضوان أخذا من قوله تعالى في المائدة (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] عن عمر وابن عباس : نزلت هذه الآية عشية يوم عرفة وكان يوم الجمعة والنبي صلىاللهعليهوسلم واقف بعرفة في موقف إبراهيم عليهالسلام في حجة الوداع وقد اضمحل الكفر وهدم منار الجاهلية. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لو يعلم الناس مالهم في هذه الآية لقرت أعينهم. قال يهودي لعمر : لو أن هذه الآية أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال عمر : أما نحن فجعلناه عيدين. وكان ذلك يوم عرفة ويوم جمعة يوم صلة الواصلين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة : ٣] يوم قطيعة القاطعين (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] يوم إقالة عثرة النادمين وقبول توبة التائبين (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] يوم وفد الوافدين في الخبر «الحاج وفد الله والحاج زوّار الله وحق على المزور الكريم أن يكرم زائره» يوم الحج الأكبر (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) [التوبة : ٣] يوم خص صومه بكثرة الثواب قال صلىاللهعليهوسلم «صوم يوم التروية كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين» وقال «من صام يوم التروية أعطاه الله مثل ثواب أيوب على بلائه ، ومن صام يوم عرفة أعطاه الله مثل ثواب عيسى بن مريم» أقسم الله تعالى به في قوله عز من قائل (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) [الفجر : ٣] عن ابن عباس : الشفع يوم التروية وعرفة ، والوتر يوم النحر يوم خص بكثرة الرحمة وسعة المغفرة. وعن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء اشهدوا
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الصوم باب ٣ ، ٩. مسلم في كتاب الصيام حديث ١٦٢ ـ ١٦٤ الترمذي في كتاب الصوم باب ٥٤. النسائي في كتاب الصيام باب ٤١. ابن ماجه في كتاب الصيام باب ١. الدارمي في كتاب الصوم باب ٥٠. الموطأ في كتاب الصيام حديث ٥٨.