الحقيقة وهو أن ينقطع القلب عن المشعر الحرام بل عن كل ما سواه من حلال وحرام. أو المراد بالأول الجمع بين الصلاتين هناك وبالثاني التسبيح والتحميد (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل الهدى ، أو من قبل الرسول ، أو من قبل إنزال الكتاب الذي بين فيه معالم دينكم (لَمِنَ الضَّالِّينَ) الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه. «وإن» هي المحففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية (ثُمَّ أَفِيضُوا) في هذه الإفاضة قولان : أحدهما أنه الإفاضة من عرفات وعلى هذا فالأكثرون قالوا : إنه أمر لقريش وحلفائها وهم الحمس لأنهم كانوا لا يتجاوزون المزدلفة ويتعللون بأن الحرم أشرف من غيره ، فالوقوف به أولى. وبأنهم أهل الله وقطان حرمه فلا يليق بحالهم أن يساووا الناس بالوقوف في الموقف ترفعا وكبرا. روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما جعل أبا بكر أميرا في الحج أمره بإخراج الناس إلى عرفات. فلما ذهب مر على الحمس وتركهم فقالوا له : إلى أين وهذا مقام آبائك وقومك؟ فلا تذهب. فلم يلتفت إليهم ومضى بأمر الله إلى عرفات ووقف بها وأمر سائر الناس بالوقوف بها. والحاصل ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس الواقفون بعرفات لا من المزدلفة ومعنى «ثم» التفاوت بين الإفاضتين وأن الإفاضة المأمور بها صواب والأخرى خطأ كما تقول «أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم» تأتي بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى كريم والإحسان إلى غيره ، وبهذا التحقيق لا يلزم عطف الشيء على نفسه. وصيرورة المعنى : فإذا أفضتم من عرفات فأفيضوا من عرفات ، ولا أن يقدر تقديم هذه الآية على ما قبلها في الوضع. ومن القائلين بأن المراد الإفاضة من عرفات من قال إنه أمر الناس جميعا. وقوله (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) المراد به إبراهيم عليهالسلام وإسماعيل عليهالسلام فإن من سنتهما ذلك. وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقف في الجاهلية بعرفة كسائر الناس ويخالف الحمس. وإيقاع اسم الجمع على الواحد جائز إذا كان رئيسا مقتدى به. (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢٠] (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] يعني نعيم بن مسعود إن الناس يعني أبا سفيان. ووجه ثالث وهو أن يكون قوله (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) عبارة عن تقادم الإفاضة من عرفات وأن ما عداه مبتدع كما يقال «هذا مما فعله الناس قديما». القول الثاني عن الضحاك أن المراد الإفاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس للرمي والنحر ، وقوله (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) يعني إبراهيم وإسماعيل ومتبعيهما فإن طريقتهم الإفاضة من المزدلفة قبل طلوع الشمس على ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والعرب الذين كانوا واقفين بالمزدلفة كانوا يفيضون بعد طلوع الشمس فأمرهم الله تعالى بأن تكون إفاضتهم من المزدلفة في الوقت الذي كان يحصل فيه إفاضة