للنسب محرما ، وكذا الخمر لكونها رافعة للعقل ، والقتل لكونه مفنيا للشخص ، فلأن يحرم هذا الفعل لكونه متضمنا لفناء النوع أولى كاللواط وإتيان البهيمة والاستمناء ولهذا عقبه بقوله (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) أي افعلوا ما تستوجبون به الجنة والكرامة كقول الرجل لغيره «قدم لنفسك عملا صالحا» وذلك أن الآية اشتملت على الإذن في أحد الموضعين والمنع عن الموضع الآخر فكأنه قيل : لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة وإنما يجب أن تكونوا في ربقة الإخلاص وتقديم الطاعة ، ثم إنه أكد ذلك بقوله (وَاتَّقُوا اللهَ) ثم زاد التأكيد بقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) وهذه التهديدات الثلاثة المتوالية لا تحسن إلا إذا كانت مسبوقة بالنهي عن مشتهي. فقوله (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) تحريض على فعل الطاعات ويندرج فيه ابتغاء لولد والتسمية عند الوقاع وغير ذلك من بآداب الخلوة ، وقوله (وَاتَّقُوا اللهَ) زجر عن المحظورات والمنكرات ، وقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) تذكير ليوم البعث والحساب الذي لولاه لضاع فعل الطاعات وترك المنهيات وما أحسن هذا الترتيب! ثم قال (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) كيلا يخلو الوعيد من الوعد. ولم يذكر المبشر به وهو الثواب والكرامة ونحوهما إما لأنه كالمعلوم من نحو قوله (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) [الأحزاب : ٤٧] ، (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) [البقرة : ٢٥] وإما لأن الغرض نفس البشارة مثل «فلان يعطى».
الحكم التاسع : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) وهو نهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف ، فإن من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة أي معرضا له قال : فلا تجعلوني عرضة للوائم. وقد ذم الله تعالى من أكثر الحلف بقوله (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) [القلم : ١٠] ، والحكمة فيه أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك فلا يؤمن إقدامه على الأيمان الكاذبة. وأيضا كلما كان الإنسان أكثر تعظيما لله كان أكمل في العبودية ، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعلى عنده من أن يبتذله ويستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية. وقوله (أَنْ تَبَرُّوا) علة النهي اي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصّلحوا بين الناس لأن الخلاف مجترئ على الله غير معظم له فلا يكون برا متقيا ، فإذا ترك الحلف لاعتقاده أن الله أعظم وأجل من أن يستشهد باسمه العظيم في مطالب الدنيا اعتقد الناس في صدق لهجته وبعده من الأغراض الفاسدة فعدوه برا متخذا من الإخلال بواجب حق الله فيدخلونه في وساطاتهم وإصلاح ذات بينهم. ومعنى آخر وهو أن تكون العرضة «فعلة» بمعنى «مفعول» كالقبضة والغرفة فيكون اسما للشيء الذي يوضع في عرض الطريق فيصير مانع الناس من السلوك ، ومنه «عرض العود على الإناء» وتقول