أمك. فقال : ولم يا أخي؟ فقال : إنه والله النبي صلىاللهعليهوسلم الذي ننتظره. فقال له أخوه كرز : فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا؟ قال : لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالا كثيرة وأكرمونا. فلو آمنا بمحمد لأخذوا منا كل هذه الأشياء. فوقع ذلك في قلب أخيه كرز وكان يضمره إلى أن أسلم ، وكان يحدث بذلك ، ثم تكلم أولئك الثلاثة ـ الأمير والسيد والحبر ـ مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على اختلاف من أديانهم. فتارة يقولون عيسى هو الله ، وتارة ابن الله ، وتارة ثالث ثلاثة ، ويحتجون لقولهم هو «الله» بأنه كان يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير ، ويحتجون في قولهم «إنه ولد الله» بأنه لم يكن له أب يعلم ، ويحتجون على «ثالث ثلاثة» بقول الله تعالى : «فعلنا وفعلنا» ولو كان واحدا لقال «فعلت». وقد حان وقت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : دعوهم. فصلوا إلى المشرق ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أسلموا. فقالوا : قد أسلمنا قبلك. فقال صلىاللهعليهوسلم : كذبتم. كيف يصح إسلامكم وأنتم تثبتون لله ولدا ، وتعبدون الصليب وتأكلون الخنزير؟ قالوا : فمن أبوه؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى في ذلك أول سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها آية المباهلة. ثم أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم يناظر معهم فقال : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون أنه حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ فهل يملك عيسى شيئا من ذلك؟ قالوا : لا. قال : ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فهل يعلم عيسى شيئا من ذلك إلا ما علم؟ قالوا : لا. قال : فإن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء ، فهل تعلمون ذلك؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث ، وتعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة وغذي كما يغذى الصبي ، ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث؟ قالوا : بلى. فقال صلىاللهعليهوسلم : فكيف يكون هو كما زعمتم؟ فعرفوا ثم أبوا إلا حجودا ثم قالوا : يا محمد ، ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال : بلى ، قالوا : فحسبنا. ففي ذلك نزل (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) الآية. وتمام القصة سيجيء في آية المباهلة إن شاء الله تعالى.
واعلم أن مطلع هذه السورة له نظم عجيب ونسق أنيق. وذلك أن أولئك النصارى كأنه قيل لهم : إما أن تنازعوه في شأن الإله أو في أمر النبوة. أما الأول فالحق فيه معه لأنه تعالى حيّ قيوم كما مر في تفسير آية الكرسي ، وأن عيسى ليس كذلك لأنه ولد وكان يأكل ويشرب