قوله (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) معترضتان. ومعناه والله أعلم بالشيء الذي وضعت لما علق به من عظائم الأمور وجعلها وولدها آية للعالمين وهي جاهلة بذلك. ثم زاده بيانا وإيضاحا فقال : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) الذي طلبت (كَالْأُنْثى) التي وهبت لها. (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) وذلك أن أباها قد مات عند وضعها فلهذا تولت الأم تسميتها. ومريم في لغتهم العابدة. فأرادت بقولها ذلك التقرب والطلب إلى الله أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها ، ولهذا أردف ذلك بطلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) الضمير يعود إلى امرأة عمران ظاهرا بدليل أنها التي خاطبت ونادت بقولها (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها) ويحتمل أن يعود إلى مريم فيكون فيه إشارة إلى أنه كما رباها في بطن أمها فسيربيها بعد ذلك (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) تقبلت الشيء وقبلته إذا رضيته لنفسك. قبولا بفتح القاف وهو مصدر شاذ حتى حكي أنه لم يسمع غيره. وأجاز الفراء والزجاج قبولا بالضم. والباء في قوله (بِقَبُولٍ) بمنزلة الباء في قولك «كتب بالقلم وضربته بالسوط». وفي التقبل نوع تكلف فكأنه إنما حكم بالتقبل بواسطة القبول الحسن. قال في الكشاف : معناه فتقبلها بذي قبول حسن أي بأمر ذي قبول وهو اختصاصها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم يقبل قبلها أنثى في النذر ، أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة. قال : ويجوز أن يكون القبول اسم ما يقبل به الشيء كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلدّ وهو الاختصاص ، ويجوز أن يكون معناه فاستقبلها مثل تعجل بمعنى استعجل وذلك من قولهم «استقبل الأمر» إذا أخذه بأوله أي فأخذها من أول أمرها حين ولدت بقبول حسن. (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) قيل : كانت تنبت في اليوم مثل ما ينبت المولود في عام. وقيل : المراد نماؤها في الطاعة والعفة والصلاح والسداد (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) روي أن حنة حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة. فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم ، وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم. فقال لهم زكريا : أنا أحق بها ، عندي خالتها. فقالوا : لا حتى نقترع عليها. فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة والوحي ، على أن كل من ارتفع قلمه فهو الراجح. فألقوا ثلاث مرات وفي كل مرة كان يرتفع قلم زكريا وترسب أقلامهم ، فأخذها زكريا. فعلى هذه الرواية تكون كفالة زكريا إياها من أول أمرها وهو قول الأكثرين. وزعم بعضهم أنه كفلها بعد أن فطمت ونبتت النبات الحسن على ترتيب الذكور. والأرجح أنها لم ترضع ثديا قط ، وكانت تتكلم في الصغر ، وكان رزقها من الجنة ، وأن