أنظرت وأخرت أنكر. ومنهم من يحمله على الإلحاح والخصومة والتقاضي والمطالبة. قال ابن قتيبة : أصله أن الطالب للشيء يقوم به والتارك له يقعد عنه ومنه قوله تعالى : (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) [آل عمران : ١١٣] أي عاملة بأمر الله غير تاركة له. وقال أبو علي الفارسي : إنه في اللغة الدوام والثبات ومنه قوله : (دِيناً قِيَماً) [الأنعام : ١٦١] أي ثابتا لا ينسخ. فمعنى الآية إلا دائما ثابتا في مطالبتك إياه بذلك المال. (ذلِكَ) الاستحلال وترك الأداء الذي دل عليه لا يؤده بسبب أنهم يقولون ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل بالخطاب والعتاب. إما لأنهم يبالغون في التعصب لدينهم حتى استحلوا قتل المخالف وأخذ ماله بأي طريق كان ، وإنا لأنهم قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه والخلق لنا عبيد فلا سبيل لأحد علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا ، ويحتمل أن يكونوا اعتقدوا في الإسلام أنه كفر فيحكمون على المسلمين بالردة فيستحلون دماءهم وأموالهم. روي أن اليهود عاملوا رجالا في الجاهلية من قريش. فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا : ليس لكم علينا حق حيث تركتم دينكم ، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم فلا جرم قال تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بادعائهم أن ذلك في كتابهم (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم كاذبون ، وهذه غاية الجرأة والجهالة. أو يعلمون حرمة الخيانة ، أو يعلمون ما على الخائن من الإثم. عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال عند نزولها : كذب أعداء الله ما من شيء في الجاهلية إلا وهو تحت قدميّ إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر. وعن ابن عباس أنه سأله رجل فقال : إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة. قال : فتقولون ماذا؟ قال : نقول ليس علينا في ذلك بأس. قال : هذا كما قال أهل الكتاب ليس علينا في الأميين سبيل. إنهم إذا أدوا الجزية لم يحل أكل أموالهم إلا بطيب أنفسهم ، (بَلى) قال الزجاج : عندي وقف التمام هاهنا لأنه لمجرد نفي ما قبله أي بلى عليهم سبيل في ذلك وما بعده استئناف ، وقال غيره : إنه يذكر في ابتداء كلام يقع جوابا عن المنفي قبله. فقولهم : ليس علينا جناح قائم مقام قوله : نحن أحباء الله تعالى فقيل لهم : إن أهل الوفاء بالعهد وأهل التقى هم الذين يحبهم الله. وعلى هذا فلا وقف على «بلى». وفيه أن اليهود ليسوا من الوفاء والتقى في شيء ، ولو أنهم أوفوا بالعهود أوفوا أول كل شيء بالعهد الذي أخذه الله تعالى في كتابهم من الإيمان بنبي آخر الزمان وهو محمد صلىاللهعليهوسلم. ولو أنهم اتقوا الله لم يكذبوا عليه ولم يحرفوا كتابه. وعموم لفظ المتقين قائم مقام الضمير العائد إلى المبتدأ والضمير في (بِعَهْدِهِ) يجوز أن يرجع إلى (مَنْ) ويجوز أن يرجع إلى اسم الله كقوله في الآية التالية (بِعَهْدِ اللهِ). واعلم أن الوفاء والتقى أصلان لجميع مكارم الأخلاق. فالوفاء بالعهد يشمل عهد الميثاق وعهد الله تعالى بالتزام التكاليف الخاصة