العبد ، تأوّلوا الآية بأن المراد بالهداية الزيادة في الألطاف المرتبة على أداء الطاعات ، أو المراد الهداية إلى الجنة. قال في الكشاف : (فَقَدْ هُدِيَ) أي فقد حصل له الهداية لا محالة كما تقول : إذا جئت فلانا فقد أفلحت كأن الهدى قد حصل له ، فهو يخبر عنه حاصلا. ومعنى التوقع في «قد» ظاهر لأن المعتصم بالله. متوقع للهدى ، كما أن قاصد الكريم متوقع للفلاح عنده.
التأويل : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) وهو صفة الله (حَتَّى تُنْفِقُوا) أحب الأشياء إليكم وهو أنفسكم. إن الفراش لم ينل من بر الشمع وهو شعلته حتى أنفق مما أحبه وهو نفسه (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا) الخلق ثلاثة أصناف : الملك النوراني العلوي وغذاؤه الذكر وخلق للعبادة ، والحيوان الظلماني السفلي وغذاؤه الطعام وخلق للخدمة ، والإنسان المركب من القبيلين وغذاؤه لروحانيته الذكر ولجسمانيته الطعام وخلق للمعرفة والخلافة. وهذا الصنف على ثلاثة أقسام : منهم ظالم لنفسه وهو الذي بالغ في غذاء جسمانيته وقصر في غذاء روحانيته حتى مات روحه واستولت نفسه (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : ١٧٩] ومنهم مقتصد وهو الذي تساوى طرفاه (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) [التوبة : ١٠٢] (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢] وهو الذي بالغ في غذاء روحانيته وهو المذكور ، وفرط في غذاء جسمانيته حتى ماتت نفسه وقوي روحه (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة : ٧] فكان كل الطعام حلالا للإنسان كما للحيوان إلا ما حرم الإنسان السابق بالخيرات على نفسه بموت النفس وحياة القلب واستيلاء الروح من قبل أن ينزل الوحي والإلهام كما قيل : المجاهدات تورث المشاهدات (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] فمن افترى على الله الكذب بأن يريد أن يهتدي إلى الحق من غير جهاد النفس (قُلْ صَدَقَ اللهُ) في قوله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) وكان من ملته إنفاق المال على الضيفان ، وبذل الروح عند الامتحان ، وتسليم الولد للقربان (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين يتخذون مع الله إلها آخر. (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) لا لله لأنه غني عن العالمين. وإن أنموذج بيت الله في الإنسان وهو العالم الصغير القلب الذي وضع ببكة صدر الإنسان مباركا عليه وهدى يهتدي به جميع أجزاء وجوده إلى الله بجوده. فإن النور الإلهي إذا وقع في القلب انفسح له واتسع ، فبه يسمع وبه يبصر وبه يعقل وبه ينطق وبه يبطش وبه يمشي وبه يتحرك وبه يسكن (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) يصل بها الطالب إلى مطلوبه والقاصد إلى مقصوده ، ومنها مقام إبراهيم وهو الخلة التي توصل الخليل إلى خليله (وَمَنْ دَخَلَهُ) يعني مقام إبراهيم ببذل المال والنفس والولد وإرضاء خليله (كانَ آمِناً) من نار القطيعة ومن