البيض الذين كنا نراهم يوم بدر. والتحقيق في هذا المقام أن التكليف ينافي الإلجاء ، وأنه تعالى قادر على إهلاك جميع الكفار في لحظة واحدة بملك واحد بل بأدنى من ذلك أو بلا سبب ، وكذا على أن يجبرهم على الإسلام ويقسرهم عليه ، لكنه لما أراد إشادة هذا الدين على مهل وتدريج بواسطة الدعوة بطريق الابتلاء والتكليف ، فلا جرم أجرى الأمور على ما أجرى فله الحمد على ما أولى ، وله الحكم في الآخرة والأولى. والحاصل أن إهلاك قوم لوط كان بعد انقضاء تكليفهم وهو حين نزول البأس ، فلا جرم أظهر القدرة وجعل عاليها سافلها. وفي حرب أحد كان الزمان زمان تكليف ، فلا جرم أظهر الحكمة ليتميز الموافق من المنافق والثابت من المضطرب ، فإنه لو جرى الأمر في أحد كما جرى في بدر أشبه أن يفضي الأمر إلى حد الإلجاء ونافى التكليف ونوط الثواب والعقاب به ، ولمثل ذلك أمد بالملائكة حين أمد على عادة الإمداد بالعساكر وإلا فملك واحد يكفي في إهلاك كثير من الناس فاعلم. ولنعد إلى تفسير الألفاظ. قال صاحب الكشاف : إنما قدم لهم الوعد بنزول الملائكة ليقوي قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله. ومعنى (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة وإنما جيء ب «لن» الذي هو تأكيد النقي للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم كالآيسين من النصر. ومعنى الكفاية سد الخلة والقيام بما يجب ، ومعنى الإمداد إعطاء الشيء حالا بعد حال. قال بعضهم : ما كان على جهة القوة والإعانة. قيل فيه : أمده يمده. وما كان على جهة الزيادة قيل فيه : مده يمده. وقرىء (مُنْزَلِينَ) بكسر الزاي بمعنى منزلين النصر. (بَلى) إيجاب لما بعد «لن» أي بلى يكفيكم الإمداد بهم فأوجب الكفاية. ثم قال : (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ) يعني المشركين (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) أي من ساعتهم هذه. والفور مصدر من فارت القدر إذا غلت ، ثم استعمل في معنى السرعة. يقال : جاء فلان ورجع من فوره. ومنه قول الأصوليين الأمر للفور أو للتراخي. ثم سميت به الحالة التي لا توقف فيها على صاحبها فقيل : خرج من فوره كما يقال من ساعته لم يلبث. جعل مجيء خمسة آلاف مشروطا بثلاثة أشياء : الصبر والتقوى ومجيء الكفار على الفور. فلما لم توجد هذه الشرائط بكلها أو بجلها فلا جرم لم يوجد المشروط. ويحتمل أن يعلق قوله : (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) بما بعده أي يمددكم ربكم بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر النزول عن الإتيان. وفيه بشارة بتعجيل النصر والفتح إن صبروا عن الغنائم واتقوا مخالفة الرسول. وقوله : (مُسَوِّمِينَ) من السومة العلامة ، وقد يعلم الفارس يوم اللقاء بعلامة ليعرف بها. فمن قرأ بكسر الواو فمعناه معلمين أنفسهم أو خيلهم بعلامات مخصوصة ، ومن قرأ بالفتح فالمعنى أن الله سوّمهم. قال