حنيف. ثم لم يقتل منهم أحد. وروى ابن عيينة أنه أصيب بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم نحو من ثلاثين كلهم يجيء ويجثو بين يديه ويقول : وجهي لوجهك الفداء وعليك السلام غير مودع (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) تقول : زللت يا فلان تزل زليلا إذا زل في طين أو منطق. والاسم الزلة ، واستزله غيره كأنه طلب منه الزلة ودعاه إليها. والباء في (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) للاستعانة مثلها في : كتبت بالقلم. والمعنى أنه كان قد صدر عنهم جنايات ، فبواسطة تلك الجنايات قدر الشيطان على استزلالهم في التولي. وعلى هذا التقدير ففيه وجوه : قال الزجاج : إنهم لم يتولوا على جهة المعاندة ولا على جهة الفرار من الزحف رغبة منهم في الدنيا ، وإنما ذكرهم الشيطان ذنوبا كانت لهم فكرهوا لقاء الله إلا على حال يرضونها وإلا بعد الإخلاص في التوبة. فهذا خاطر خطر ببالهم وكانوا مخطئين فيه. وقيل : إنهم لما أذنبوا بسبب مفارقة المركز ، أوقعهم الشيطان بشؤم تلك المعصية في الهزيمة. وقيل : كانت لهم ذنوب قد تقدمت ، فبشؤمها قدر الشيطان على دعائهم إلى التولي لأن الذنب يجر إلى الذنب كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة وتكون لطفا فيها. وإنما قال : (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) لأن الكسب قد يكون خيرا كقوله : (لَها ما كَسَبَتْ) [البقرة : ١٣٤ ، ١٤١ ، ٢٨٦] أو لأن جميع الذنوب لا يؤاخذ بها الله تعالى كقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : ٣٠] وقال الحسن : استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة. ويحتمل أن تكون الباء بمعنى «في» أي السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان في بعض الأعمال. إما قبل هذه الغزوة وإما فيها كالفشل والتنازع والتحول عن المركز وطلب الغنيمة ، فاقترفوا ذنوبا فلذلك منعتهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا. وعلى هذا التقدير لا يكون الفعل المسند إلى استزلال الشيطان فيه هو التولي ، وإنما يكون أعمالا أخر إما في هذه الغزوة أو قبلها. (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) فيه بيان أنهم ما كفروا وما تركوا دينهم لأن العفو عن الكفر لا يجوز. بقي البحث في أنه أي ذنب هو؟ والظاهر أنه التولي لأن التوبيخ وقع عليه والآية سيقت لأجله. ثم إنه من الصغائر أو من الكبائر؟ قالت المعتزلة : كلاهما محتمل. لكنه إن كان من الصغائر فلا حاجة إلى إضمار التوبة ، وإن كان من الكبائر فلا بد من إضمار توبتهم وإن كانت غير مذكورة في الآية. قال القاضي : الأقرب أنه من الصغائر لأنه لا يكاد يقال في الكبائر إنها زلة ، ولأنهم ظنوا أن الهزيمة لما وقعت على المشركين لم يبق في ثباتهم حاجة ، فلا جرم تحولوا لطلب الغنيمة ، والخطأ في الاجتهاد ليس من الكبائر. وقالت الأشاعرة : إنه من الكبائر لأنهم خالفوا النص. وحيث عفا عنه من غير ذكر التوبة ـ والأصل عدم الإضمار ـ غلب على الظن أن العفو عن الكبائر واقع من غير شرط.