ثم ندب الى المؤمنين ما يزيد رغبتهم في الجهاد فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) قيل : إنه عام. وقيل : يعني المنافقين. وقيل : منافقي يوم أحد كعبد الله بن أبيّ وأصحابه. وفيه دليل على أن الإيمان ليس عبارة عن مجرد الإقرار باللسان كما يقوله الكرامية وإلا لم يسم المنافق كافرا (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) أي لأجل إخوانهم مثل (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١] وذلك أنهم قالوا : (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) والميت والمقتول لا يكلم. وعلى تقدير فرض التكلم كان المناسب أن لو قيل : لو كنتم عندنا ما متم وما قتلتم. ومعنى الأخوة اشتراك النسب. فلعل المقتولين كانوا أقارب المنافقين وإن كانوا مسلمين. أو اتفاق الجنس فلعل بعض المنافقين صار مقتولا في بعض الغزوات. والضرب في الأرض الإبعاد فيها للتجارة وغيرها. والغزو قصد محاربة العدو قريبا كان أو بعيدا. والفاعل غاز والجمع غزّى مثل : سابق وسبق ، وراكع وركع. وإنما قال : (إِذا ضَرَبُوا) دون «إذ ضربوا» أو «حين ضربوا» ليشاكل في المعنى قوله : (وَقالُوا) لأنه أراد حكاية الحال الماضية. والمعنى أن إخوانهم إذا ضربوا في الأرض. فالكافرون يقولون : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. فمن أخبر عنهم بعد ذلك لا بد أن يقول : «قالوا». ويجوز أن يكون (قالُوا) في تقدير «يقولون» لكنه وقع التعبير عنه بلفظ الماضي لأنه لازم الحصول في المستقبل مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] وفيه دلالة على أن جدهم واجتهادهم في تقرير هذه الشبهة قد بلغ الغاية ، فكأن هذا المستقبل كالكائن الواقع. ويمكن أن يقال : عبر عن المستقبل بلفظ الماضي ليعلم أن المقصود الإخبار عن جدّهم واجتهادهم في تقرير هذه الشبهة. وقال قطرب : كلمه «إذ» و «إذا» يجوز إقامة كل منهما مقام الأخرى ، وهذا وإن لم يوجد له في كلام العرب نظير ، لكن القرآن أولى ما يستشهد به وهو حجة على غيره وليس غيره حجة عليه. قال الواحدي : في الكلام محذوف والتقدير : إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزى فقتلوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. وأما اللام في قوله : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) ففي متعلقه وجهان : الأول أنه (قالُوا) أي قالوا ذلك الكلام واعتقدوه ليجعل الله ذلك الكلام حسرة فتكون لام العاقبة كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وكيف استعقب ذلك القول حصول الحسرة؟ فيه وجوه : فقيل : لأن أقارب ذلك المقتول إذا سمعوا هذا الكلام تخيلوا أنهم لو بالغوا في منعه عن ذلك السفر أو الغزو لم يمت أو لم يقتل فازدادت حسرتهم وتلهفهم بسبب أنهم قصروا في منعه ، بخلاف المسلم المعتقد في أن الحياة والموت لا يكونان إلا بتقدير الله فإنه لا يحصل له شيء من هذا النوع من الأسف. وقيل :