لأنهم إذا ألقوا هذه الشبهة إلى إخوانهم تثبطوا عن الجهاد ، فإذا نال المسلمون في الجهاد غنيمة بقي أولئك المتخلفون في الخيبة والندامة. وقيل : المراد حسرتهم يوم القيامة إذا رأوا ثواب المجاهدين. وقيل : المقصود خيبتهم عن ترويج شبهتهم بعد ما أعلم الله المؤمنين بطلانها. وقيل : الغرض أن جدهم واجتهادهم في تكثير الشبهات يقسي قلوبهم ويضيق صدورهم فيقعون لذلك في الحيرة والحسرة. الوجه الثاني : أن متعلق اللام قوله : (لا تَكُونُوا) وذلك إشارة إلى ما دل عليه النهي أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله ذلك الانتفاء انتفاء كونكم مثلهم حسرة ، لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون مما يغمهم ويغيظهم (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) رد لجهالتهم وجواب عن مقالتهم أي الأمر بيده والخلق له. فقد يحيي المسافر والغازي ، ويميت المقيم والقاعد. فعلى المكلف أن يتلقى أوامره بالامتثال ، فالله أعلم بحقيقة الأحوال ولا يجري الأمور إلا على وفق إمضائه وأحكامه ونقضه وإبرامه وكل ميسر لما خلق له. عن خالد بن الوليد أنه قال عند موته : ما فيّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة وها أنا ذا أموت كما يموت الغير فلا نامت أعين الجبناء. وفي أمثالهم «الشجاع موقى والجبان ملقى». وكان عليّ يقول : إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش ، ويجوز أن يكون المراد : والله يحيي قلوب أوليائه بنور اليقين والعرفان ، ويميت قلوب أعدائه بظلمة الشك والخذلان (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا تكونوا مثلهم. ومن قرأ على الغيبة فالضمير للذين كفروا ويكون وعيدا لهم. ثم إنه لما كذب الكافرين في قولهم : لإخوانهم (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) ونهى المؤمنين عن كونهم مثلهم لأنه يسبب التقاعد عن الجهاد وينفر الطبع عنه رغبهم فيه بقوله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ) شيء من مغفرته ورحمته (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فاللام الأولى هي الموطئة ، والثانية لام جواب القسم المقدر ، وكذا في الآية الأخرى. والمعنى أن القتل والموت في السفر غير لازم الحصول لأن ذلك منوط بالقدر لا بالسفر. ولئن سلم أنه لازم فإنه يستعقب المغفرة ويستجلب الرحمة من الله ، وإن ذلك خير مما تجمعون من الدنيا وما فيها لو لم تموتوا. وعن ابن عباس : خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء. ومن قرأ بالياء فالضمير للكفار لأن الذي يجمعونه في الدنيا قد يكون من باب الحلال الذي يعد خيرا ، أو ورد على حسب معتقدهم أن أموالهم خيرات لهم. وإنما كانت المغفرة والرحمة خيرا من المال لأن المال الذي يجمع لأجل الغد قد يموت صاحبه قبل الغد ، وإن لم يمت فلعل المال لا يبقى في الغد ، فكم من أمير أصبح أسيرا. وعلى تقدير بقاء المال وبقاء صاحبه إلى الغد فلعل مانعا من مرض أو خوف يمنعه عن الانتفاع به ،