وجوه دلائل الكمال ويزيح عللهم في كل حال. وأيضا إنهم وإن شهدت فطرتهم بوجوب خدمة مولاهم لكن لا يعرفون كيفية تلك الخدمة إلى أن يشرحها النبي صلىاللهعليهوسلم لهم. وأيضا إنهم جبلوا على الكسل والملل فهو يورد عليهم أنواع الترغيبات والترهيبات فيزول فتورهم ويتجدد نشاطهم. وبالجملة فعقول البشر بمنزلة أنوار البصر ، وعقل النبي بمنزلة نور الشمس. فكما لا يتم الانتفاع بنور البصر إلا عند سطوع نور الشمس ، فكذلك لا يحصل الاهتداء بمجرد العقل ما لم ينضم إليه إرشاد النبي صلىاللهعليهوسلم. ومن الثاني أن هذا الرسول بعث (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي من جنسهم عربيا مثلهم ، أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده. فعلى هذا يكون المراد بالمؤمنين من آمن مع الرسول من قومه. وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون به ، ووجه المنة أنه إذا كان اللسان واحدا سهل عليهم أخذ ما يجب أخذه عنه ، وإذا كانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة كان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه والوثوق به. وفيه أيضا شرف لهم وفخر كما قال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] وذلك أن الافتخار بإبراهيم صلىاللهعليهوسلم كان مشتركا فيه بين اليهود والنصارى والعرب. ثم اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى وبالتوراة والإنجيل ، وما كان للعرب ما يقابل ذلك. فلما بعث الله محمدا وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائدا على شرف جميع الأمم. وقيل : (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي من جنس الإنس لا من الملك لأن الجنس إلى الجنس أميل. ويروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعن فاطمة أنهما قرآ (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) بفتح الفاء أي أشرفهم ، وعلى هذا يكون المؤمنون عاما. ويحتمل أن يراد بهم العرب ويصح لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ، ومضر ذروة نزار بن معد بن عدنان ، وخندف ذروة مضر ، ومدركة ذروة خندف ، وقريش ذروة مدركة ، وذروة قريش محمد صلىاللهعليهوسلم. وأما سائر أوصافه من قوله : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) فقد مر تفسيرها في البقرة عند قوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً) [البقرة : ١٢٩] وإعراب قوله : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) كما سلف في قوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) [البقرة : ١٤٣] ومعنى المنة فيه أن النعمة إذا وردت بعد المحنة كان موقعها أعظم. فبعثة هذا الرسول عقيب الجهل والذهاب عن الدين تكون أعم نفعا وأتم وقعا. ثم لما أجاب عن نسبة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الغلول ، حكى عنهم شبهة أخرى وهي قولهم لو كان رسولا من عند الله ما انهزم عسكره وهو المراد بقوله : (أَنَّى هذا) وأجاب عنها بقوله : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) والواو في قوله (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ) لعطف هذه الجملة الاستفهامية على ما قبلها من قصة أحد إلا أن حرف الاستفهام قدم على واو العطف لأن له صدر الكلام و (لَمَّا) ظرف (قُلْتُمْ) ومقول القول (أَنَّى هذا). و (أَصابَتْكُمْ) في محل