إخوة في النسب أو في سكنى الدار أو في الجنسية في النفاق. والقائلون ـ عند جمهور المفسرين ـ عبد الله بن أبيّ وأصحابه. واعترض الأصم بأنه قد خرج يوم أحد فكيف وصف بالقعود في قوله : (وَقَعَدُوا) أي والحال أنهم قد قعدوا عن القتال. والجواب أن القعود عن القتال وهو الجبن عنه وتركه لا ينافي الخروج. (لَوْ أَطاعُونا) في أمرنا إياهم بالقعود (ما قُتِلُوا) كأنهم قعدوا وما اكتفوا بذلك بل أرادوا تثبيط غيرهم وذلك لما في الطباع من محبة الحياة وكراهة الموت. «ومن يسمع يخل» فلعل بعض ضعفة المسلمين إذا سمع ذلك رغب في القعود ونفر طبعه عن الجهاد فأجابهم الله تعالى بقوله : (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن الحذر يغني عن القدر ، وأن سلامتكم كانت بسبب قيودكم لا بغيره من أسباب النجاة. وفيه استهزاء بهم أي إن كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادفعوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا. وروي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقا. جميع ذلك بناء على أن القتل أمر مكروه يجب على العاقل أن يتحرز منه لو أمكنه ، لكنا لا نسلم ذلك وهو المراد بقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) والخطاب للرسول أو لكل أحد. ومن قرأ على الغيبة فالضمير للرسول. أو المراد لا يحسبن حاسب أو لا يحسبنهم أمواتا. وضمير المفعول للذين قتلوا أي لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا. فحذف المفعول الأوّل لدلالة الكلام عليه ، فكأنه مذكور كما حذف المبتدأ في قوله : (بَلْ أَحْياءٌ) أي هم أحياء للدلالة. عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عزوجل أنا أبلغهم عنكم فأنزل هذه الآية» (١) وعن جابر بن عبد الله قال : نظر إليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ما لي أراك مهتما؟ قلت : يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا. «فقال : ألا أخبرك ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحا. فقال : يا عبدي سلني أعطك. فقال : أسألك أن تردّني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. فقال : يا رب فأبلغ من ورائي» (٢) فنزلت. وقال جماعة من أهل التفسير : نزلت
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإمارة حديث ١٢١. أبو داود في كتاب الجهاد باب ٢٥. الترمذي في كتاب تفسير سورة آل عمران باب ١٩. ابن ماجه في كتاب الجنائز باب ٤. الدارمي في كتاب الجهاد باب ١٨. أحمد في مسنده (٦ / ٣٨٦).
(٢) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة آل عمران باب ١٨. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣. كتاب الجهاد باب ١٦.