[البقرة : ٢٥٤] وأيضا لا تأثير للشفاعة إلا بإذن الله فيؤل معنى الآية إلى أن الأمر يومئذ لله. وعلى هذا ففائدة تخصيص الظالمين بهذا الحكم أنه وعد المتقين الفوز فلهم هذه الحجة بخلاف الفساق. وأيضا أدلة الشفاعة مخصصة لعموم الآية. قالوا : الفاسق لا يخرج من النار وإلا كان مخرجه ناصرا له. وعورض بالآيات الدالة على العفو (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي) تقول : سمعت رجلا يتكلم بكذا فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع اكتفاء بما وصفته به ، أو جعلته حالا عنه. والمنادي عند الأكثرين هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) [النحل : ١٢٥] (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) [يوسف : ١٠٨] (وَداعِياً إِلَى اللهِ) [الأحزاب : ٤٦] وقيل : القرآن كما نسب إليه الهداية في قوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي) [الإسراء : ٩] كأنه يدعو إلى نفسه وينادي بما فيه من الدلائل كما قيل في جهنم (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) [المعارج : ١٧] والفصحاء يصفون الدهر بأنه ينادي ويعظ لدلالة تصاريفه قال :
يا واضع الميت في قبره |
|
خاطبك الدهر فلم تسمع |
ويقال : ينادي إلى كذا ولكذا ودعاه إليه وله وهداه للطريق وإليه فيقام كل من اللام و «إلى» مقام الأخرى نظرا إلى وقوع معنى الانتهاء والاختصاص معا. وقال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير أي سمعنا مناديا للإيمان ينادي كما يقال : جاء مناد للأمير فنادى بكذا. وقيل : معناه لأجل الإيمان. ولهذا الغرض فسر بقوله : (أَنْ آمِنُوا) و «أن» مفسرة أو مخففة معناه أي آمنوا أو بأن آمنوا. والفائدة في الجمع بين المنادى وينادي للإيمان هي فائدة الإطلاق ثم التقييد والإجمال ثم التفصيل من رفع شأن المطلق والمجمل ، وكونه حينئذ أوقع في النفس وأعز. (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) أصل الغفر والتكفير كلاهما الستر والتغطية. وأما الذنوب والسيئات فقيل : هما واحد والتكرار للتأكيد والإلحاح ، إن الله يحب الملحين في الدعاء. وقيل : الأوّل الكبائر والثاني الصغائر. وقيل : الأوّل أريد به ما تقدم منهم ، والثاني المستأنف. وقيل : الأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية وذنبا ، والثاني ما أتى به مع الجهل بكونه ذنبا (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) أي معدودين منهم ومن أتباعهم أو مشاركين لهم في الثواب أو على مثل أعمالهم ودرجاتهم كقول الرجل : أنا مع الشافعي في هذه المسألة أي مساو له في ذلك الاعتقاد. احتجت الأشاعرة بالآية على أن العفو غير مشروط بالتوبة لأنهم طلبوا المغفرة بدون ذكر التوبة بل بدون التوبة بدلالة فاء التعقيب في (فَاغْفِرْ) بعد قولهم : (فَآمَنَّا). ثم إنه تعالى أجابهم إلى ذلك بقوله : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ) ويعلم منه ثبوت شفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم لأصحاب الكبائر بالطريق الأولى. (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا