أنه لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصغار ومن النسوان ما شاء من ماله. وأجمعوا على أنه يحرم على الولي أن يدفع إلى السفهاء أموالهم ، وأيضا قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) هذه الأوامر تناسب حال الأولياء لا الآباء. وأقول : لا يبعد حمل الآية على كلا القولين ، لأن الإضافة في أموالكم لا تفيد إلا الاختصاص سواء كان اختصاص الملكية أو اختصاص التصرف. واختلفوا في السفهاء فعن مجاهد والضحاك أنها النساء أزواجا كن أو أمهات أو بنات ، وهو مذهب ابن عمرو يدل عليه ما روى أبو أمامة عن النبي صلىاللهعليهوسلم «ألا إنما خلقت النار للسفهاء» يقولها ثلاثا. وإن السفهاء النساء إلا امرأة أطاعت قيمها. وقد جمع فعلية على فعلاء كفقيرة وفقراء. وقال الزهري وابن زيد : هم الأولاد الخفاف العقول. وعن ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير : إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله. والصحيح أن المراد بالسفهاء كل من ليس له عقل يفي بحفظ المال ولا يد له بإصلاحه وتثميره والتصرف فيه ، ويدخل فيه النساء والصبيان والأيتام والفساق وغيرهم مما لا وزن لهم عند أهل الدين والعلم بمصالح الدارين ، فيضع المال فيما لا ينبغي ويفسده. ومعنى (جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) أنه لا يحصل قيامكم وانتعاشكم إلا به. سماه بالقيام إطلاقا لاسم المسبب على السبب. ومن قرأ قيما فعلى حذف الألف من (قِياماً) وهو مصدر قام وأصله قوام قلبت الواو ياء لإعلال فعله. فإن لم يكن مصدرا لم يعل كقوام لما يقام به. وكان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ، ولأن أترك ما لا يحاسبني الله عليه خير من أحتاج إلى الناس. وقال عبد الله بن عباس : الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض لا تؤكل ولا تشرب حيث قصدت بها قضيت حاجتك. وقال قيس بن سعد : اللهم ارزقني حمدا ومجدا فإنه لا حمد إلا بفعال ، ولا مجد إلا بمال. وقيل لأبي الزناد : لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ قال : هي وإن أدنتني فقد صانتني عنها. وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في تشييع جنازة فقالوا له : اذهب إلى مكانك. وقال بعض الحكماء : من أضاع ماله فقد ضارّ الأكرمين : الدين والعرض. وفي منثور الحكم : من استغنى كرم على أهله. وفيه : الفقر مخذلة ، والغنى مجدلة ، والبؤس مرذلة ، والسؤال مبذلة. وكان يقال : الدراهم مراهم لأنها تداوي كل جرح ويطيب بها كل صلح. وقال أبو العتاهية :
أجلك قوم حين صرت إلى الغنى |
|
وكل غني في العيون جليل |
إذا مالت الدنيا على المرء رغبت |
|
إليه ومال الناس حيث تميل |