والمختار الصحيح من الأقوال قول أبي بكر لأن الكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوّة من الإعياء. قال الأعشى :
فآليت لا أرثي لها من كلالة |
|
ولا من وجى حتى تلاقي محمدا |
فاستعيرت للقرابة من غير جهة الوالد والولد لأنها بالإضافة إلى قرابة الأصول والفروع كلالة ضعيفة. ويحتمل أن يقال : هي من الإكليل لأنهم يحيطون بالإنسان إحاطة الإكليل بالرأس بخلاف قرابة الولادة فإنها تذهب على الاستقامة كما قال :
نسب تتابع كابرا عن كابر |
|
كالرمح أنبوبا على أنبوب |
وأيضا فإنه تعالى قال في آخر السورة (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) [الآية : ١٧٦] فاحتج عمر بذلك. والجواب أنه تعالى حكم في تلك الآية بتوريث الإخوة والأخوات حال كون الميت كلالة. ولا شك أن الإخوة والأخوات لا يرثون حال وجود الأبوين ، فيلزم أن لا يكون الميت كلالة حال وجود الأبوين. وأيضا إنه تعالى ذكر حكم الولد والوالدين في الآيات المتقدمة ، ثم أتبعها ذكر الكلالة. وهذا الترتيب يقتضي أن يكون الكلالة من عدا الوالدين والولد ، ثم الكلالة قد يجعل وصفا للمورث. والمراد الذي يرثه من سوى الوالدين والأولاد ، ويمكن أن يحمل عليه بيت الفرزدق أي ما ورثتم الملك عن الأعمام بل عن الآباء ، فسمى العم كلالة وهو هاهنا مورث لا وارث. وقد يجعل وصفا للوارث ومنه قول جابر : مرضت مرضا أشفيت منه على الموت فأتاني النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله إني رجل لا يرثني إلا كلالة وأراد به أنه ليس له والد ولا ولد. ويقال : رجل كلالة وامرأة كلالة وقوم كلالة لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر كالدلالة والجلالة ، وإذا جعلت صفة للوارث أو المورث كانت بمعنى ذي كلالة كما يقال : فلان من قرابتي أي من ذوي قرابتي. ويجوز أن يكون صفة كالهجاجة والفقاقة يقال : رجل هجاجة وفقاقة كلاهما بالتخفيف أي أحمق. وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ) فيه احتمالان : الأول وهو قول عطاء والضحاك : أن يكون مأخوذا من ورث الرجل يرث فيكون الرجل هو الموروث منه ، وينتصب كلالة على الحال أو على أنه خبر «كان» و (يُورَثُ) صفة رجل. ويجوز أن يكون مفعولا له أي يورث لأجل كونه كلالة. والثاني وهو قول سعيد بن جبير أن يكون مبنيا للمفعول من أورث فالرجل حينئذ هو الوارث ، وينتصب كلالة على الوجوه المذكورة. قيل : ما السبب في أنه قال : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) ثم قال : (وَلَهُ أَخٌ) فكنى عن الرجل ولم يكن عن المرأة؟ والجواب أنه إذا جاء حرفان في معنى واحد جاز إسناد التفسير