البيوت إلى أن يتبين أحوالهن. وقال السدي : المراد بهذه الآية البكر من الرجال والنساء ، وبالآية الأولى الثيب. وعن أبي مسلم أن الآية الأولى في السحاقات وحدّها الحبس إلى الموت إلا أن يخلصهن الله ، والثاني في اللائطين وحدّهما الأذى بالقول والفعل. والدليل على ذلك تذكير اللذان ولفظ منكم أي من رجالكم كما في قوله : (أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) وأما الزنا من الرجل والمرأة فذلك في سورة النور وحدّه في البكر الجلد وفي المحصن الرجم ، وعلى هذا لا يلزم نسخ شيء من الآيات ولا تكرار الشيء الواحد في الموضع الواحد مرتين. وزيف قول أبي مسلم بأنه قول لم يقل به أحد ، وبأن الصحابة اختلفوا في أحكام اللواطة ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية. وعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على هذا الحكم دليل على أن الآية ليست في اللواطة. وأجاب أبو مسلم بأنه قول مجاهد ـ وهو من أكابر المفسرين ـ على أنه بيّن في الأصول أن استنباط تأويل جديد جائز ، وأيضا كان مطلوب الصحابة معرفة حدّ اللوطيّ وكمية ذلك وليس في الآية دلالة عليه بالنفي والإثبات ، ومطلق الإيذاء لا يصلح للحد. وجمهور المفسرين على أن الآيتين في الزنا وأنهما منسوختان لما روى مسلم في كتابه عن عبادة بن الصامت كان نبي الله صلىاللهعليهوسلم إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه فأنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك ، فلما سري عنه قال : خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. ثم استقر الأمر آخرا على أن البكر يجلد ويغرّب والثيب يرجم فقط. وقيل : إن هذه الآية صارت منسوخة بآية الجلد. وعن أصحاب أبي حنيفة أن آية الحبس نسخت بالحديث ، والحديث منسوخ بآية الجلد ، وآية الجلد نسخت بدلائل الرجم. وقال في الكشاف : من الجائز أن لا تكون الآية منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة ويوصي بإمساكهن في البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال. وقال الشيخ أبو سليمان الخطابي في معالم السنن : إنه لم يحصل النسخ في الآية ولا في الحديث. وذلك أن الآية تدل على أن إمساكهن في البيوت ممدود إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا. ثم إن ذلك السبيل كان مجملا ، فلما قال صلىاللهعليهوسلم : خذوا عني الثيب يرجم والبكر يجلد وينفى. صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية لا ناسخا لها ، وصار أيضا مخصصا لعموم آية الجلد والله تعالى عليم. ثم أخبر عن المستحقين لقبول التوبة وعن المستحقين لعدم القبول فقال : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) واجبة وجوب الوعد والكرم لا وجوبا يستحق بتركه الدم (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) قال أكثر المفسرين : كل من عصى فهو جاهل وفعله جهالة. ولهذا قال موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [البقرة : ٦٧] لأنه حيث لم