الأرض مسجدا وترابها طهورا» (١). أما مسح الوجه واليد فعن علي وابن عباس : اختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفين وقريب منه مذهب مالك لأن المسح مكتفى فيه بأقل ما يطلق عليه اسم المسح. وقال الشافعي وأبو حنيفة : يستوعب الوجه واليدين إلى المرفقين كما في الوضوء. وعن الزهري إلى الآباط ، لأن اليد حقيقة لهذا العضو إلى الإبط ، ثم ختم الآية بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) وهو كناية عن الترخيص والتيسير لأن من كان عادته العفو عن المذنبين كان أولى بالترخيص للعاجزين. عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول الله صلىاللهعليهوسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : حبست رسول الله صلىاللهعليهوسلم والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت : فعاتبني أبوبكر وقال ما شاء الله أن يقول ، فجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فخذي. فنام رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء : ما هو بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
ثم إنه سبحانه لما ذكر من أول السورة إلى هاهنا أحكاما كثيرة عدل إلى ذكر طرف من آثار المتقدمين وأحوالهم ، لأنّ الانتقال من أسلوب إلى أسلوب مما يزيد السامع هزة وجدة فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ) أي ألم ينته علمك؟ أو ألم تنظر إلى من أوتوا حظا من علم التوراة وهم أحبار اليهود؟ وإنما أدخل «من» التبعيضية لأنهم عرفوا من التوراة نبوة موسى ولم يعرفوا منها نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم. فأما الذين أسلموا منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه فقد وصفهم بأن معهم علم الكتاب في قوله : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) [الرعد : ٤٣] لأنهم عرفوا الأمرين جميعا (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) يختارونها لأن من اشترى شيئا فقد آثره واختاره قاله الزجاج. والمراد تكذيبهم الرسول صلىاللهعليهوسلم لأغراضهم الفاسدة من أخذ الرشا وحب الرياسة. وقيل : المراد يستبدلون الضلالة ـ وهو البقاء على اليهودية ـ بالهدى ـ وهو الإسلام ـ بعد وضوح الآيات لهم على صحته. (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا) أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه ، ولا أقبح ممن جمع بين هذين الأمرين ، الضلال والإضلال. عن ابن عباس أن الآية نزلت في حبرين من أحبار اليهود كانا يأتيان رأس
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٢٢٢).