مُسْمَعٍ) مفعول (اسْمَعْ) لا حالا من ضميره أي اسمع كلاما غير مسمع إياك لنبوّ سمعك عنه. ومنها قولهم له صلىاللهعليهوسلم (راعِنا) وقد عرفت احتمالاته في البقرة. وإنما جاؤوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد تصريحهم بالعصيان على وجه لأن المواجهة بالعصيان أهون خطبا في العرف من المواجهة بالسب ودعاء السوء ولهذا كانت الكفرة يواجهونه بالأول دون الثاني. (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) مفعول لأجله ، أو مصدر لمحذوف ، أو ل (يَقُولُونَ) لأنه في معنى اللي أيضا وعينه «واو» بدليل لويت فقلبت وأدغمت. والمعنى : يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون (راعِنا) موضع (انْظُرْنا) و (غَيْرَ مُسْمَعٍ) موضع لا سمعت مكروها ، أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا ، أو لعلهم كانوا يفتلون أشداقهم وألسنتهم عند ذكر هذا الكلام سخرية وطعنا على عادة المستهزئين ، فبين الله تعالى أنهم إنما يقدمون على هذه الأشياء طعنا في الدين ونبه بذلك على ما كانوا يقولونه فيما بينهم إنا نشتمه ولا يعرفه ولو كان نبيا لعرف بإظهار ذلك عليه فانقلب ما جعلوه طعنا في الدين دلالة قاطعة على صحته لأن الإخبار عن الغيب معجز. (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) بدل قولهم : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) إذ وضح لهم الآيات وثبت لهم البينات كرات بعد مرات و (اسْمَعْ) دون أن يقال معه (غَيْرَ مُسْمَعٍ وَانْظُرْنا) مكان (راعِنا لَكانَ) قولهم ذلك (خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) أعدل لا أشد من قولهم : «رمح قويم» أي مستقيم (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي بسببه (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا) إيمانا (قَلِيلاً) وهو إيمانهم بالله وبالتوراة وببعض الأنبياء دون سائر رسله. أو إلّا قليلا منهم آمنوا لأن «فعيلا» قد يراد به الجمع كقوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩] أو أراد بالقلة العدم.
ثم زجرهم عن كفر الجحود والعناد بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية. والطمس المحو. يقال : طريق طامس ومطموس ، ومفازة طامسة الأعلام ، وطمست الكتاب محوته. وهو في الآية حقيقة أو مجاز قولان. والمعنى على الأول محو تخطيط صورها وأشكالها من عين وحاجب وأنف وفم. والفاء في (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) إما للتسبيب أي فنجعل الوجوه بسبب هذا الطمس على هيئة أقفائها مطموسة مثلها ، لأن الوجه إنما يتميز عن سائر الأعضاء بما فيه من الحواس والتخاطيط ، فإذا أزيلت ومحيت لم يبق فرق بينها وبين القفا. وإما للتعقيب على أن العقوبة شيئان : إحداهما عقيب الأخرى الطمس ، ثم نكس الوجه إلى خلف والأقفاء إلى قدام. وإنما يكون هذا عقوبة لما فيه من تشويه الخلقة والمثلة والفضيحة كما قال في حق أهل النار (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) [الانشقاق : ١٠] على أن وجوههم مردودة إلى أقفائهم فتدرك الكتابة وتقرأ من هناك. وأما المعنى على القول