تحصيل الهداية فليس إليك بل إلى الله. قال علماء المعاني : قوله (رَسُولاً) حال من الكاف أي حال كونك ذا رسالة و (لِلنَّاسِ) صفة (رَسُولاً) متعلق ب (أَرْسَلْناكَ) وإلّا لقيل إلى الناس. فأصل النظم وأرسلناك رسولا للناس فلابد للتقديم من خاصية هو التخصيص أعني ثبوت الحكم للمقدم ونفيه عما يقابله حقيقة أو عرفا لا عما عداه مطلقا. وبعد تقديم هذه المقدمة فاللام في قوله : (لِلنَّاسِ) إما أن يكون للعهد الخارجي أو للجنس أو للاستغراق. والأول باطل لأن المعهود الخارجي حصة معينة من الأفراد فيلزم اختصاص إرساله ببعض الإنس لوقوع بعض الناس في مقابلة كلهم عرفا فيكون مناقضا لما في الآيات الأخر كقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] ولقوله : «بعثت إلى الخلق كافة» والثاني وهو حمل اللام على تعريف الجنس أيضا باطل لأنه يلزم اختصاص إرساله بالإنس دون الجن ، لأنّ ثبوت الحكم لحقيقة الإنس بوساطة التقديم ينفي الحكم عما يقابلها عرفا وهو حقيقة الجن ، أو ينفي الحكم عما عداها من الحقائق فيشمل حقيقة الجن ضرورة. وعلى التقديرين يلزم الخلف لأنه صلىاللهعليهوسلم مبعوث إلى الثقلين لقوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) [الأحقاف : ٢٩] الآية. فتعين حمل اللام على الاستغراق ليثبت الحكم لكل فرد من أفراد الإنسان وتحصل موجبة كلية وينفي نقيض هذا الحكم وهو ما كان يزعمه الضالة من سالبة جزئية هي أنه ليس مبعوثا إلى بعض الناس كالعجم وأنه رسول العرب خاصة ، وعلى هذا يكون الجن مسكوتا عنهم بالنسبة إلى هذه الآية. فلدلالة دليل آخر على كونه مبعوثا إلى الثقلين لا تكون منافية لدلالة هذه الآية ، لأن التقديم قد استوفى حظه من الخاصية من غير تعرض للجن. ثم لما بين أنه لكل فرد من أفراد الناس رسول أوجب طاعته بقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) لأنّ طاعة الرسول لكونه رسولا فيما هو رسول لا تكون إلّا طاعة لله. قال مقاتل في هذه الآية : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله» فقال المنافقون : لقد قارف الرجل الشرك ، هو ينهي أن يعبد غير الله ويريد أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى فأنزل الله هذه الآية. وهي من أقوى الدلائل على أنه معصوم في جميع الأوامر والنواهي وفي تبليغه وفي أفعاله وإلّا لم تكن طاعته فيما أخطأ طاعة لله. (وَمَنْ تَوَلَّى) قيل : هو التولي بالقلب أي حكمك يا محمد على الظواهر ، وأما البواطن فلا تتعرّض لها. وقيل : هو التولي بالظاهر ومعناه فلا ينبغي أن تغتم بسبب ذلك التولّي. (فَما أَرْسَلْناكَ) لتحفظ الناس عن المعاصي فإن من أضلّه الله لم يقدر أحد على إرشاده. والمعنى فما أرسلناك لتشتغل بزجرهم عند ذلك التولي كقوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : ٢٥٦] ثم نسخ بآية الجهاد. ثم حكى سيرة المنافقين بقوله :