كان يومئذ فنزلت الآية. وقد روى الكلبي وقتادة مثل ذلك. وقال الحسن : إنّ أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم خرجوا يتطرّفون فلقوا المشركين فهزموهم فشذ منهم رجل فتبعه رجل من المسلمين وأراد متاعه ، فلما غشيه بالسنان قال : إني مسلم فكذبه ثم أوجره السنان فقتله وأخذ متاعه وكان قليلا ، فرفع ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : قتلته بعد ما زعم أنه مسلم. قال : يا رسول الله إنما قالها متعوّذا. قال : فهلّا شققت عن قلبه؟ قال : لم؟ قال : لتنظر أصادق هو أم كاذب. قال : وكنت أعلم ذلك يا رسول الله؟ قال : ويلك إنك لم تكن لتعلم ذلك إنما يبين عنه لسانه. قال : فما لبث القاتل أن مات فدفن فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره. قال : ثم عادوا فحفروا له فأمكنوا ودفنوه فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره مرتين أو ثلاثا. فلما رأوا أنّ الأرض لا تقبله ألقوا عليه الحجارة. قال الحسن : إنّ الأرض تجن من هو شر منه ولكن وعظ القوم أن لا يعودوا. وعن سعيد بن جبير قال : خرج المقداد بن الأسود في سرية فإذا هم برجل في غنيمة له فأرادوا قتله فقال : لا إله إلّا الله. فقتله المقداد. فقيل له : أقتلته وقد قال لا إله إلّا الله؟ فقال : ودّ لو فرّ بأهله وماله. فلما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكروا ذلك له فنزلت. قال القفال : ولا منافاة بين هذه الروايات ، فلعلها نزلت عند وقوعها بأسرها فكان كل فريق يظن أنها نزلت في واقعته. وعن أبي عبيدة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا أشرع أحدكم الرمح إلى الرجل فإن كان سنانه عند نقرة نحره فقال لا إله إلّا الله فليرفع عنه الرمح». قال الفقهاء : توبة الزنديق مقبولة لإطلاق هذه الآية. وقال أبو حنيفة : إسلام الصبي يصح لإطلاق الآية. وقال الشافعي : لا يصح وإلّا لوجب عليه لأنه لو لم يجب لكان ذلك إذنا في الكفر وهو غير جائز ، لكنه غير واجب عليه لقوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ» (١). وقال أكثر الفقهاء : لو قال اليهودي أو النصراني أنا مؤمن أو مسلم لا يحكم بإسلامه لأنه يعتقد أن الإيمان والإسلام هو دينه. ولو قال لا إله إلّا الله محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا يحصل الجزم بإسلامه لأنّ منهم من يقول إنه رسول العرب وحدهم ومنهم من يقول إنّ محمدا الذي هو الرسول الحق المنتظر بعد ، فلا بد أن يعترف بأن الدين الذي كان عليه باطل ، وأن الدين الذي هو موجود فيما بين المسلمين حق. (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) قال أبو عبيدة : جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء. يقال : إنّ الدنيا عرض حاضر
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الطلاق باب ١١. أبو داود في كتاب الحدود باب ١٧. الترمذي في كتاب الحدود باب ١. النسائي في كتاب الطلاق باب ٢١. ابن ماجه في كتاب الطلاق باب ١٥. الدارمي في كتاب الحدود باب ١. أحمد في مسنده (١ / ١١٦).