على الحال عنهم ، ومن قرأ بالرفع فعلى أنه صفة للقاعدين ويجوز أن يكون غير صفة للمعرفة كما سبق في تفسير (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧]. وقرىء بالجر على أنه صفة المؤمنين. قال الزجاج : ويجوز أن يكون رفعا على جهة الاستثناء والمعنى لا يستوي القاعدون والمجاهدون ، إلّا أولي الضرر فإنهم يساوون المجاهدين بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم عند انصرافه من بعض غزواته «لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم أولئك أقوام حبسهم العذر» (١) وعنه صلىاللهعليهوسلم : «إذا مرض العبد قال الله تعالى : اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ» (٢). ويعلم منه أن صحة النية وخلوص الطوية لها مدخل عظيم في قبول الأعمال. وذكروا في معنى قوله : «نية المؤمن أبلغ من عمله» أنّ ما ينويه المؤمن أبلغ من عمله إذ ما ينويه المؤمن من دوامه على الإيمان والأعمال الصالحة لو بقي أبدا خير من عمله الذي أدركه في مدة حياته. قيل : إنه قدّم ذكر النفس على المال في قوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١١] وهاهنا أخر لأنّ النفس أشرف من المال. فالمشتري قدم ذكر النفس تنبيها على أنّ الرغبة فيها أشد ، والبائع أخر تنبيها على أنّ المماكسة فيها أشد فلا يرضى ببذلها ، إلّا في آخر الأمر. وفائدة نفي الاستواء ومعلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان تبيين ما بينهما من التفاوت ليهتم القاعد للجهاد ويترفع بنفسه عن انحطاط مرتبته فيجاهد كقوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] تحريكا للجاهل لينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم. ثم إن عدم الاستواء يحتمل الزيادة والنقصان فأوضح الحال بقوله : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) كأنه قيل : مالهم لا يستوون؟ فأجيب بذلك. وانتصب (دَرَجَةً) على المصدر لأنّ الدرجة بدل على التفضيل. وقيل : حال أي ذوي درجة. وقيل : بنزع الخافض أي بدرجة. وقيل : على الظرف أي في درجة (وَكُلًّا) وكل فريق من القاعدين والمجاهدين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أي المثوبة الحسنى وهي الجنة. قال الفقهاء : فيه دليل على أن فرض الجهاد على الكفاية إذ لو كان واجبا على التعيين لم يكن القاعد أهلا للوعد. وانتصب (أَجْراً) بفضل لأنّ التفضيل يدل على الأجر. وهاهنا سؤال وهو أنه لم ذكر أولا درجة وثانيا درجات؟ وأجيب بأن اللام في قوله أوّلا على القاعدين للعهد والمراد بهم أولو الضرر ، وقوله ثانيا على القاعدين للأصحاء الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لأن الغزو
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب ٣٥. أبو داود في كتاب الجهاد باب ١٩. ابن ماجه في كتاب الجهاد باب ٦. أحمد في مسنده (٣ / ١٠٣ ، ١٦٠).
(٢) رواه أحمد في مسنده (٢ / ١٨٩ ، ١٩٤ ، ١٩٨).