فرض كفاية. وقيل : المراد بالدرجة جنسها الذي يشمل الكثير بالنوع وهي الدرجات الرفيعة والمنازل الشريفة والمغفرة والرحمة. وقيل : المراد بالدرجة الغنيمة في الدنيا ، وبالدرجات مراتب الجنة. وقيل : المراد بالمجاهد الأول صاحب الجهاد الأصغر وهو الجهاد بالنفس والمال ، وبالمجاهد الثاني صاحب الجهاد الأكبر وهو المجاهد بالرياضة والأعمال. واستدلت الشيعة هاهنا بأنّ عليا رضياللهعنه أفضل من أبي بكر وغيره من الصحابة لأنه بالنسبة إليهم مجاهد وهم بالإضافة إليه قاعدون بما اشتهر من وقائعه وأيامه وشجاعته وحماسته. أجاب أهل السنة بأنّ جهاد أبي بكر بالدعوة إلى الدين وهو الجهاد الأكبر وحين كان الإسلام ضعيفا والاحتياج إلى المدد شديدا ، وأما جهاد علي فإنما ظهر بالمدينة في الغزوات وكان الإسلام في ذلك الوقت قويا. والحق أنه لا تدل الآية إلّا على تفضيل المجاهدين على القاعدين ، أما على تفضيل المجاهدين بعضهم على بعض فلا. قالت المعتزلة : هاهنا قد ظهر من الآية أنّ التفاوت في الفضل بحسب التفاوت في العمل ، فعلة الثواب هو العمل ولهذا سمي أجرا. وأجيب بأنّ العمل علة الثواب لكن لا لذاته بل يجعل الشارع ذلك العمل موجبا له. قالت الشافعية : الاشتغال بالنوافل أفضل من الاشتغال بالنكاح لأنّ قوله : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) عام يشمل الجهاد الواجب والمندوب وهو الزائد على قدر الكفاية ، والمشتغل بالنكاح قاعد ، فالاشتغال بالجهاد المندوب أفضل منه بالنكاح.
ثم لما ذكر ثواب المجاهدين أتبعه وعيد القاعدين الراضين بالسكون في دار الكفر فقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ) وأنه يحتمل أن يكون ماضيا فيكون إخبارا عن حال قوم انقرضوا ومضوا. عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانوا قوما من المسلمين بمكة فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا معهم فنزلت الآية. ويحتمل أن يكون مستقبلا بحذف إحدى التاءين فيكون الوعيد عاما في كل من كان بهذه الصفة. قال الجمهور : معنى تتوفاهم تقبض أرواحهم عند الموت. ولا منافاة بينه وبين قوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) [الزمر : ٤٢] (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [السجدة : ١١] لأنه تعالى هو المتوفى والفاعل لكل الأشياء بالحقيقة إلّا أن الرئيس المفوّض إليه هذا العمل ملك الموت وسائر الملائكة أعوانه. وعن الحسن : (تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي يحشرونهم إلى النار. أما قوله : (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) فمنصوب على الحال عن مفعول توفي والإضافة فيه لفظية ولذا لم تفد تعريفا فصح وقوعه حالا. والظلم قد يراد به الشرك (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] فالمراد أنهم ظالمون أنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة. وقد يراد به المعصية (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) [فاطر : ٣٢] فالمراد الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك غير مهاجرين إلى دار