ثم أردف الوعيد بالوعد على سنته المعهودة فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) قال أهل السنة : لو كان الخلود الدوام لزم التكرار فإذن هو طول المكث المطلق. وقوله : (أَبَداً) مفيد للتأبيد. (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره لأن قوله : (سَنُدْخِلُهُمْ) وعد منه تعالى ومضمونه هو مضمون وعد الله ، وأما (حَقًّا) فمضمونه أخص من مضمون الوعد لأن الوعد من حيث هو وعد يحتمل أن يكون حقا وأن لا يكون فمضموناهما متغايران تغاير الجنس والنوع. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) توكيد ثالث بليغ من قبل الاستفهام المتضمن للإنكار. وفائدة هذه التوكيدات معارضة مواعيد الشيطان الكاذبة وإلقاء أمانيه الفارغة والتنبيه على أن قول أصدق القائلين أولى بالقبول من قول من لا أحد أكذب منه. والقيل. مصدر قال قولا. وعن ابن السكيت أن القيل والقال اسمان لا مصدران. عن أبي صالح قال : جلس أهل الكتب أهل التوراة والإنجيل وأهل القرآن كل صنف يقول لصاحبه نحن خير منكم فنزلت : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) وقال مسروق وقتادة : احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب : نحن أهدى منكم ؛ نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم. وقال المسلمون : نحن أهدى منكم وأولى بالله ؛ نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب التي قبله فنزلت. ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناواهم من أهل الأديان بقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) وبقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) الآيتان. وقيل : الخطاب في : (بِأَمانِيِّكُمْ) لعبدة الأوثان ، وأمانيهم أن لا يكون حشر ولا نشر ولا معاد ولا عقاب وإن اعترفوا به لكنهم يصفون أصنامهم بأنها شفعاؤهم عند الله. وقيل : الخطاب للمسلمين وأمانيهم أن يغفر لهم وإن ارتكبوا الكبائر ، وأما أماني أهل الكتاب فقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] و (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة : ٨٠] واسم «ليس» مضمر فقيل : أي ليس وضع الدين على أمانيكم. وقيل : ليس الثواب الذي تقدم الوعد به في قوله : (سَنُدْخِلُهُمْ). وعن الحسن ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب أي أثر فيه وصدقه العمل ، إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل. ويؤيد هذا المعنى قوله بيانا للمذكور : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) فمن هنا استدلت المعتزلة بالآية على القطع بوعيد الفساق ونفي الشفاعة ، وأجيب بأنه مخصوص بالكفار لأنهم مخاطبون بالفروع عندنا. سلمنا أنه يعم المؤمن والكافر إلّا أنه مخصوص في حق