المؤمن بقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون جزاؤهم الآلام والأسقام والهموم والغموم الدنيوية؟ روي أنه لما نزلت الآية قال أبو بكر : كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : غفر الله لك يا أبابكر ؛ ألست تمرض أليس يصيبك اللأواء؟ فهو ما تجزون. عن عائشة أن رجلا قرأ هذه الآية فقال : أنجزي بكل ما نعمل لقد هلكنا. فبلغ النبي صلىاللهعليهوسلم كلامه فقال : يجزي المؤمن في الدنيا بمصيبة في جسده وبما يؤذيه. وعن أبي هريرة لما نزلت الآية بكينا وحزنا وقلنا : يا رسول الله ما أبقت هذه الآية لنا شيئا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : أبشروا فإنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة في الدنيا إلّا جعلها الله له كفارة حتى الشوكة التي تقع في قدمه ، سلمنا أن الجزاء إنما يصل إليه في الآخرة لكنه روي عن ابن عباس أنه لما نزلت الآية شقت على المسلمين وقالوا : يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءا فكيف الجزاء؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : إنه تعالى وعد على الطاعة عشر حسنات ، وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة ، فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلبت آحاده أعشاره. وأيضا المؤمن الذي أطاع الله سبعين سنة ثم شرب قطرة من الخمر فهو مؤمن قد عمل الصالحات فوجب القطع بأنه يدخل الجنة. قالوا : إن صاحب الكبيرة غير مؤمن ، وأجيب بنحو قوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩] أما حديث نفي الشفاعة فإذا كانت شفاعة الملائكة والأنبياء بإذن الله صدق أنه لا ولي لأحد ولا نصيرا إلّا الله. قال في الكشاف : «من» في قوله : (مِنَ الصَّالِحاتِ) للتبعيض أراد ومن يعمل بعض الصالحات لأن كلّا لا يتمكن من كل الصالحات لاختلاف الأحوال ، وإنما يعمل منها ما هو في وسعه ، وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة ولا صلاة في بعض الأحوال. ومن في قوله : (مِنْ ذَكَرٍ) لتبيين الإبهام في : (مَنْ يَعْمَلْ) والضمير في : (لا يُظْلَمُونَ) عائد إلى عمال السوء وعمال الصالحات جميعا ، أو يعود إلى الصالحين فقط. وذكره عند أحد الفريقين يغني عن ذكره عند الآخر والمسيء مستغن عن هذا القيد ، فمن المعلوم أن أرحم الراحمين لا يزيد في عقابه وأما نقصان الفضل في الثواب كان محتملا فأزيل ذلك الوهم ، ثم بين فضل الإيمان المشروط به الفوز بالجنة فقال : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) وبيان الفضل من وجهين :
الأول أنه الدين المشتمل على إظهار كمال العبودية والانقياد لله وإليه الإشارة بقوله : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) وهو راجع إلى الاعتقاد الحق وعلى إظهار كمال الطاعة وحسن العمل والإخلاص وإليه الإشارة بقوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) وهو عائد إلى فعل الخيرات وترك المنكرات بصفاء النيات وخلوص الطويات. وفيه تنبيه على أن كمال الإيمان لا يحصل إلّا