الآية. أما قوله : (وَلَا الْمَلائِكَةُ) فإنه معطوف على (الْمَسِيحُ) وهو الأظهر ، وجوز بعضهم عطفه على الضمير في (يَكُونَ) أو في (عَبْداً) لمعنى الوصفية فيه فيكون المعنى : أنّ المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا الملائكة موصوفين بالعبودية ، أو لا يأنف أن يعبد الله هو والملائكة. وفي المعنيين انحراف عن الغرض فالأول أولى. والمراد بالملائكة كل واحد منهم حتى يكون خبره أيضا (عَبْداً) أو يكون الخبر (عِباداً) وحذف لدلالة (عَبْداً) عليه (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ) أي يجمعهم يوم القيامة إليه حيث لا يملكون لأنفسهم شيئا.
ثم إنه تعالى لم يذكر ما يفعل بهم بل ذكر أولا ثواب المؤمنين المطيعين فسئل إن التفصيل غير مطابق للمفصل لأنه اشتمل على الفريقين والمفصل على فريق واحد فأجاب في الكشاف بأن هذا كقولك : جمع الإمام الخوارج فمن لم يخرج عليه كساه وحمله ومن خرج عليه نكل به. فحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ، ولأن ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أو قدم ثواب المؤمنين توطئة كأنه قيل : ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وسيعاقب مع ذلك بما يصيبهم من العذاب. أقول : لو جعل الضمير في قول : (فَسَيَحْشُرُهُمْ) راجعا إلى الناس جميعا لم يحتج إلى هذه التكلفات ويحصل الربط بسبب العموم ومثله غير عزيز في القرآن كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠] ثم عاد إلى تعميم الخطاب بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ) الآية. فيحتمل أن يراد بالبرهان والنور كليهما القرآن ، ويحتمل أن يراد بالبرهان محمد صلىاللهعليهوسلم لأنه يقيم البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل وبالنور المبين القرآن لأن سبب لوقوع نور الإيمان في القلب. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه (وَاعْتَصَمُوا بِهِ) تمسكوا بدينه أو لجؤا إليه في أن يثبتهم على الإيمان ويصونهم عن زيغ الشيطان (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) قال ابن عباس : الرحمة الجنة ، والفضل ما يتفضل عليهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) أي إلى عبادته (صِراطاً مُسْتَقِيماً) هو الدين الحنيفي والتقدير صراطا مستقيما إليه ، ويحتمل أن يراد بالرحمة والفضل اللذات الحسية الباقية ، وبالهداية اللذات الروحانية الدائمة.
ثم إنه سبحانه ختم السورة بنحو مما بدأها به وهو أحكام المواريث فقال : (يَسْتَفْتُونَكَ) الآية. قال أهل العلم : إنّ الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول هذه السورة ، والأخرى في الصيف وهي هذه ولهذا تسمى آية الصيف.