بعمل قالت التعليمية : إنه تعالى أمر بابتغاء الوسيلة إليه فلا بد من معلم يعلمنا معرفته. وأجيب بأن الأمر بالابتغاء مؤخر عن الإيمان لقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فعلمنا أن المراد بالوسائل هي العبادات والطاعات. ثم إن ترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي لما كان شاقا على النفس ثقيلا على الطبع لأن العقل يدعو إلى خدمة الله والنفس تدعو إلى اللذات الحسيات والجمع بينهما كالجمع بين الضرتين والضدّين أردف التكليف المذكور بقوله : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) والمراد بهذا القيد أن تكون العبادة لأجله لا لغرض سواه وهذه مرتبة السابقين. ثم قال : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والفلاح اسم جامع للخلاص من المكروه والفوز بالمحبوب وهذه دون الأولى لأن غرضه الرغبة في الجنة أو الرهبة من النار وكلتا المرتبتين مرضية. ثم أشار إلى مرتبة الناقصين بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وخبر «إن» مجموع الجملة الشرطية وهي قوله : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) أي بالمذكور أو الواو بمعنى «مع» والعامل في المفعول معه وهو المثل ما في «إن» من معنى الفعل أي لو ثبت : (مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) والغرض التمثيل وأن العذاب لازم لهم وقد مر مثله في سورة آل عمران. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «يقال للكافر يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول : نعم. فيقال له : قد سئلت أيسر من ذلك» (١). (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا) أي يتمنون الخروج من النار أو يقصدون ذلك. قيل : إذا رفعهم لهب النار إلى فوق فهناك يتمنون الخروج. وقيل : يكادون يخرجون منها لقوتها ورفعها إياهم. عمم المعتزلة هذا الوعيد في الكفار وفي الفساق ، وخصصه الأشاعرة بالكفار لدلالة الآية المتقدمة. ثم إنه تعالى عاد إلى تتميم حكم أخذ المال من غير استحقاق وهو المأخوذ على سبيل الخفية لا المحاربة فقال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) وهما مرفوعان على الابتداء والخبر محذوف عند سيبويه والأخفش والتقدير فيما فرض أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمها. وعند الفراء ـ وهو اختيار الزجاج ـ أن الألف واللام فيهما بمعنى الذي والتي وخبرهما : (فَاقْطَعُوا) ودخول الفاء لتضمنها معنى الشرط كأنه قيل : الذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما. وقراءة عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على القراءة المشهورة لأن الإنشاء لا يحسن أن يقع خبرا إلّا بتأويل وأما إذا نصبت فإنه يكون من باب الإضمار على شريطة التفسير والفاء يكون مؤذنا بتلازم ما قبلها وما بعدها مثل : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر : ٣] وضعف قول سيبويه بأنه طعن في قراءة واظب عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وترجيح للقراءة الشاذة
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب ٤٩. أحمد في مسنده (٣ / ٢١٨). مسلم في كتاب المنافقين حديث ٥٢.