الحسن : الربانيون علماء الإنجيل ، والأحبار علماء التوراة. وإنما قال هاهنا : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) وفي الأول (يَعْمَلُونَ) لأن الصنع أرسخ من العمل فلا يسمى العامل صانعا ولا العمل صناعة إلا إذا تمكن فيه وتدرب وينسب إليه فكان ذنب العلماء إذا تركوا النهي عن المنكر أشد وأعظم وأثبت وأرسخ. وتحقيقه أن المعصية مرض الروح وعلاجه العلم بالله وصفاته وأحكامه ، فإذا حصل هذا العلم ولم تزل المعصية دل على أن مرض القلب في غاية القوة والشدة كالمرض الذي شرب صاحبه الدواء فما زال. وعن ابن عباس : هي أشد آية في القرآن. وعن الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها. (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) قيل : في هذه الآية إشكال لأن اليهود مطبقون على أنا لا نقول ذلك ، كيف وبطلانه معلوم بالضرورة لأن الله اسم لموجود قديم قادر على خلق العالم وإيجاده وتكوينه ، وهذا الموجود يمتنع أن تكون يده مغلولة وقدرته قاصرة. والجواب أن الله تعالى صادق في كل ما أخبر عنه فلا بد من تصحيح هذا النقل عنهم ، فلعل القوم قالوا هذا على سبيل الإلزام فإنهم لما سمعوا قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قالوا من احتاج إلى القرض كان فقيرا عاجزا مغلول اليدين ، أو لعلهم لما رأوا أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم في غاية الفقر والضر قالوا : إن إله محمد كذلك. وقال الحسن : أرادوا أنه لا تمسهم النار إلا أياما معدودة إلا أنهم عبروا عن كونه تعالى غير معذب لهم إلا هذا القدر من الزمان بهذه العبارة الفاسدة فاستوجبوا اللعن لفساد العبارة وسوء الأدب. وقيل : لعلهم كانوا على مذهب بعض الفلاسفة أنه تعالى موجب لذاته ، وأن حدوث الحوادث عنه لا يمكن إلا على نسق واحد فعبروا عن عدم اقتداره على غير ذلك النسق بغل اليد. وقال المفسرون : كان اليهود أكثر الناس مالا وثروة ، فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم وكذبوه ضيق الله عليهم المعيشة فعند ذلك قالوا : يد الله مغلولة أي مقبوضة عن العطاء على جهة النعت بالبخل ، والجاهل إذا وقع في البلاء والشدة قد يقول مثل هذه الألفاظ. وغل اليد وبسطها مجاز مستفيض عن البخل والجود ومنه قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء : ٢٩] وذلك أن اليد آلة لأكثر الأعمال لا سيما لأخذ المال وإعطائه ، فأطلقوا اسم السبب على المسبب فقيل للجواد فياض الكف مبسوط اليد سبط البنان رطب الأنامل ، وللبخيل أبتر الأصابع مقبوض الكف جعد الأنامل ، ولا فرق عندهم بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازا عنه حتى إنه يستعمل في ملك لا يعطي ولا يمنع إلا بالإشارة بل يقال للأقطع : ما أبسط يده بالنوال. وقد يستعمل حيث لا يصح اليد كقول لبيد :
قد أصبحت بيد الشمال زمامها