المراد نعمة الدين نعمة الدنيا ، أو نعمة الظاهر ونعمة الباطن ، أو نعمة النفع ونعمة الدفع ، أو نعمته على أهل اليمين ونعمته على أهل الشمال بل لطفه في حق أولئك وقهره في شأن هؤلاء ، أو المراد المبالغة في وصف النعمة نحو : لبيك وسعديك معناه إقامة على طاعتك بعد إقامة وإسعادا بعد إسعاد. ثم أكد الوصف بالقدرة والسخاء فقال : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) وفيه أنه لا ينفق إلّا على مقتضى الحكمة وقانون العدالة وعلى حسب المشيئة والإرادة ، لا مانع له ولا مكره فمن أوجب عليه شيئا أو اعترض على فعل من أفعاله فقد نازعه في ملكه وحجر تصرفه وقيد وغل ونسبه إلى ما لا يليق به. (وَلَيَزِيدَنَ) جواب قسم محذوف (كَثِيراً مِنْهُمْ) يعني علماء اليهود (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) من القرآن والحجج (طُغْياناً وَكُفْراً) مجاوزة في الحد وغلوا في الإنكار لأن البدن غير النقي كلما غذوته زدته شرها (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ) بين اليهود والنصارى ـ قاله مجاهد والحسن ـ أو فيما بين اليهود (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) لا تأتلف كلمتهم ولا تتساعد أفئدتهم ، فمن اليهود جبرية وقدرية وموحدة ومشبهة ، ومن النصارى ملكانية ونسطورية ، وكل ذلك الاختلاف يوجب السخط واللعن بخلاف هذه الأمة فإن اختلافهم رحمة ولتفرق أهوائهم وتشعب آرائهم (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) فلا يهمون بأمر من الأمور إلّا وقد رجعوا بخفي حنين. وقيل : كلما حاربوا رسول الله غلبوا. وعن قتادة : لا تلقى اليهود ببلدة إلّا وجدتهم أذل الناس (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) يستخفون كيدا للإسلام وذويه (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) فلا ينجح لهم كيد ولا ينتج لهم سعي. قيل : خالفوا حكم التوراة فبعث الله عليهم بختنصر ، ثم أفسدوا فسلط عليهم بطرس الرومي ، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس ، ثم أفسدوا فسلط عليم المسلمين إلى يوم القيامة. ثم لما بالغ في تهجين سيرتهم ذكر أنهم مع ما عدّد من مساويهم لو آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وما جاء به واتقوا المنكرات التي كانوا يأتونها لتكون توبتهم نصوحا (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ) تلك السيئات سترناها عليهم (وَلَأَدْخَلْناهُمْ) مع المسلمين (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) من النعم خلاف البؤس أي نعيم صاحبها فما أوسع رحمة الله تعالى وما أعظم عفوه وغفرانه (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) عملوا بما فيهما من الوفاء بعهود الله تعالى ومن الإقرار بنبوّة نبي آخر الزمان محمد صلىاللهعليهوسلم ، أو حافظوا على أحكامهما وحدودهما ، أو أقاموهما نصب أعينهم لئلا ينسوا ما فيهما من التكاليف. (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) يعني القرآن أو سائر الكتب الإلهية كصحف إبراهيم وزبور داود وكتاب شعيا وحيقوق ودانيال فإن كلها مشحونة من البشارة بمبعث محمد صلىاللهعليهوسلم وأنهم مكلفون بالإيمان بجميعها. (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي ينزل عليهم بركات السماء وبركات الأرض ، أو يكثر لهم الأشجار