أطاع في حمل الأمانة وأتى نسب إلى الظلم والجهل والفساد والخيانة ، نعم إنما يكون ذلك لوجهين : أحدهما أن الذلة والمسكنة وقعت في قسم العاشق كما أن العزة والعظمة وقعت في طرف المعشوق بل جمال عزة المعشوق ، لا يظهر إلا في مرآة ذلة العاشق.
وثانيهما أن من له كمال عزة الأمانة يلزم كمال ذلة المؤتمن في الظاهر بصلاح كتمان أمر الأمانة. وقد يختص غير المؤتمن بحسن الثناء عليه ليكون عزته في الظاهر وذلته في الحقيقة يدلك على حقيقة حفظ السر خطاب ، (اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٣٤] وعتاب (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠] (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) كما اخترتك من بين الخليقة واصطفيتك على البرية بحمل الأمانة (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) ولا تكتموا الشهادة ، أشهدتكم على أنفسكم يوم الميثاق بإقرار قبول الأمانة فقلتم : بلى شهدنا. فاليوم أطالبكم بأداء حقها فأدوها لي ملفوفة بلفاف التقوى «الإيمان عريان ولباسه التقوى» وكتمان الشهادة أن يكون شهودك مع غير شواهد ربك ، وهذا من نتائج خيانة قلبك في أمانة ربك ، فلا يشاهد قلبك إلا شواهد ربك ، ولا يؤدي سرك حقيقة أمانة ربك إلا إلى ربك بربك لربك.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦))
القراآت : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) بإدغام الراء في اللام : أبو عمرو. وجملة أهل العلم على الإخفاء لا على الإدغام التام (فَيَغْفِرُ) و (يُعَذِّبُ) برفع الراء والباء : يزيد وابن عامر وعاصم وسهل ويعقوب. وقرأ حمزة غير أبي عمرو والحلواني عن قالون وابن مجاهد وأبو عون وأبو ربيعة عن البزي وخلف لنفسه يعذب من بالإظهار ، أبو عمرو يدغم (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) كل القرآن. وكتابه حمزة وعلي وخلف الباقون (وَكُتُبِهِ) جمعا لا يفرق بياء الغيبة يعقوب. الباقون بالنون (أَخْطَأْنا) مثل (فَادَّارَأْتُمْ) [البقرة : ٧٢].
الوقوف : (وَما فِي الْأَرْضِ) ط (بِهِ اللهُ) ط لمن قرأ (فَيَغْفِرُ) بالرفع على الاستئناف