فإن تعلم أن كلها وحي من عند الله وليس لأحد من المخلوقات أن يلقي فيها شيئا من ضلالاتهم ولا سيما في القرآن العظيم. وإن من قال : إن ترتيب القرآن على هذا الوجه شيء فعله عثمان ، فقد أخرج القرآن عن كونه حجة وطرق إليه التغيير والتحريف. وأن القرآن مشتمل على المحكم والمتشابه ، ومحكمه يكشف عن متشابهه. وأما الإيمان بالرسل فإن تعلم كونهم معصومين عن الذنوب في باب الاعتقاد في أمر التبليغ وفي الفتيا وفي الأخلاق وفي الأفعال كما مر في قصة آدم ، وأن تعلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم أفضل ممن ليس بني خلافا لبعض الصوفية ، وأن بعض الأنبياء أفضل من بعض كما قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣] وأما فضلهم على الملائكة فقد قال بعضهم : إن الأنبياء أفضل من الملائكة. وقال كثير من العلماء : إن الملائكة السماوية أفضل منهم وإنهم أفضل من الملائكة الأرضية. وقد مر تحقيق ذلك في قصة آدم أيضا. وأن تعلم أن شرعهم وإن صار منسوخا إلا أن نبوتهم لم تصر منسوخة. وإنهم الآن أنبياء ورسل كما كانوا ، وناقش بعض المتكلمين في ذلك. فهذه إشارة إلى أصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. وأما من قرأ وكتابه على الوحدة فإما أن يراد به القرآن ، ثم الإيمان به يتضمن الإيمان بمجموع الكتب والرسل. وإما أن يراد به جنس الكتب السماوية فإن اسم الجنس المضاف قد يفيد العموم كقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤] وقال (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ) [البقرة : ١٨٧] وهذا الإحلال شائع في جميع الصيام. قال العلماء : قراءة الجمع أولى لمشاكلة ما قبله وما بعده. وقيل : قراءة الإفراد أولى لأن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع. ومن هنا قال ابن عباس : الكتاب أكثر من الكتب. ومن قرأ (لا نُفَرِّقُ) بالنون فلا بد من إضمار أي يقولون لا نفرق. ومن قرأ بالياء على أن الفعل لكل فلا حاجة إلى الإضمار ، ثم إن الجملة خبر أو حال واحد في معنى الجمع. أي بين كل منهم وبين آخر منهم ، فإن النكرة في سياق النفي تعم ولذلك صلحت لدخول «بين» عليها. وليس المراد بعدم التفريق عدم التفضيل لقوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣] بل المراد عدم التفريق في الإيمان بهم وفي اعتقاد نبوتهم لظهور المعجزات على أيديهم حسب دعاويهم. والغرض منه تزييف معتقد اليهود والنصارى الذين يقرون بنبوة موسى وعيسى دون نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم. وعن أبي مسلم : لا نفرق ما جمعوا كقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران : ١٠٣] واعلم أن قوله (آمَنَ الرَّسُولُ) إلى قوله (بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) إشارة إلى استكمال القوة النظرية بهذه المعارف الشريفة (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) إشارة إلى استكمال القوة العملية بالأعمال