مكة ، ثم أتى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاستأمن له. ثم فصل ما أجمل من الوعيد فقال (وَلَوْ تَرى) الآية. وجوابه محذوف أي لرأي يا إنسان أمرا عظيما (إِذِ الظَّالِمُونَ) يعني الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة. فاللام للعهد ، ويحتمل أن تكون للجنس فيندرج هؤلاء فيه. وغمرات الموت شدائده وسكراته. وأصل الغمرة ما يغمر من الماء فاستعيرت للشدة الغالبة (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) قيل : إنه لا قدرة لهم على إخراج أرواحهم من أجسادهم فما الفائدة في هذا الخطاب؟ وأجيب بوجوه منها : أن المراد ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى غمرات الموت في الآخرة إذا ما دخلوا جهنم ، وغمرات الموت عبارة عما يصيبهم هناك من أنواع الشدائد والتعذيبات (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) بالعذاب يكلمونهم يقولون لهم (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) من هذا العذاب الشديد إن قدرتم. ومنها (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) عند نزول الموت بهم في الدنيا (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) لقبض أرواحهم يقولون لهم (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) من هذه الشدائد وخلصوها من هذه الآفات والآلام ، ومنها هاتوا أرواحكم وأخرجوها إلينا من أجسادكم وهذه عبارة عن العنف والتشديد في إزهاق الروح من غير تنفيس وإمهال ، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم الملازم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويقول : أخرج إليّ مالي عليك ولا أريم مكاني حتى أنزعه من أحداقك. ومنها أنه ليس بأمر وإنما هو وعيد وتقريع كقول القائل : امض الآن لترى ما يحل بك ، والتحقيق أن نفس المؤمن حال النزع تنبسط في الخروج إلى لقاء ربه ، ونفس الكافر تكره ذلك ويشق عليها الخروج ، وقطع التعلق لأنها تصير إلى العذاب وإليه الإشارة في الحديث «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (١) فهؤلاء الكفار يكرههم الملائكة على نزع الروح وعلى فراق المألوف. وفي الآية دلالة على أن النفس الإنسانية شيء غير هذا الهيكل المحسوس ، لأن المخرج يجب أن يكون مغايرا للمخرج منه (الْيَوْمَ) يريد وقت الإماتة أو الوقت الممتد الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة (تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) كقولك «رجل سوء» بالإضافة لأن العقاب شرطه أن يكون مضرة مقرونة بالإهانة كما أن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم ، والتركيب يدور على قلة المبالاة بالشيء ومنه الهون بالفتح السكينة والوقار ، وهان عليه الشيء أي حقر ، وأهانه استخف به ، والاسم الهون بالضم والهوان والمهانة.
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الذكر حديث ١٤ ـ ١٨. الترمذي في كتاب الجنائز باب ٦٧. النسائي في كتاب الجنائز باب ١٠. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٤٣. الموطأ في كتاب الجنائز حديث ٥١. أحمد في مسنده (٢ / ٣١٣ ، ٣٤٦).