يعني شحم الألية. وقال ابن جريج : كل شحم في القوائم والجنب والرأس وفي العينين والأذنين فإنه مخلوط بعظم فهو حلال لهم. والحاصل أن الشحم الذي حرم الله عليهم هو الثرب وشحم الكلية. وقيل : إن الحوايا غير معطوف على المستثنى وإنما هو معطوف على المستثنى منه والتقدير : حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم. ودخوله كلمة «أو» كدخولها في قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الدهر : ٢٤] والمعنى كل هؤلاء أهل أن يعصى فاعص هذا واعص هذا فكذا هاهنا المعنى حرمنا عليهم هذا وهذا (ذلِكَ) الجزاء وهو تحريم الطيبات (جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) بسبب قتلهم الأنبياء وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل وغير ذلك من قبائح أفعالهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في هذه الأخبار أو فيما يوعد به العصاة. قال القاضي : نفس التحريم لا يجوز أن يكون عقوبة على جرم صدر عنهم لأن التكليف تعريض للثواب والتعريض للثواب إحسان. وأجيب بأن المنع من الانتفاع يمكن أن يكون لمزيد الثواب ويمكن أن يكون بشؤم الجرم المتقدم (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) في ادعاء النبوّة والرسالة أو في تبليغ الأحكام ، وعلى أصول المعتزلة فإن كذبوك في إنجاز إيعاد العصاة وزعموا أن الله واسع الرحمة وأنه يخلف الوعيد جودا وكرما. (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) فلذلك لا يعجل بالعقوبة (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) إذا جاء وقت عذابه (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) يعني المكذبين. وعلى أصولهم رحمته واسعة لأهل طاعته ولا يرد بأسه مع ذلك عن الذين ارتكبوا الكبائر فماتوا قبل التوبة.
ثم حكى أعذار الكفار الواهية فقال : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) وإنما جاز العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير أن أكد بالمنفصل لمكان الفصل بعد حرف العطف بلا الزائدة لتأكيد النفي. أخبر الله تعالى بما سوف يقولونه ولما قالوه. قال في سورة النحل : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [النحل : ٣٥] وإنما قال في سورة النحل بزيادة «نحن» و «من دونه» مرتين لأن الإشراك مستنكر مطلقا. فلفظ الإشراك يدل على إثبات شريك لا يجوز إثباته ، وعلى تحليل أشياء وتحريم أشياء من دون الله فلم يحتج إلى لفظ من دونه ، وأما العبادة فإنها غير مستنكرة على الإطلاق وإنما المستنكر عبادة شيء مع الله سبحانه ، ولا تدل على تحريم شيء فلم يكن بد من تقييده بقوله : من دونه ولما حذف من الآية لفظة من دونه مرتين حذف معه (نَحْنُ) لتطرد الآية في حكم التخفيف. أما تفسير الآية فزعمت المعتزلة أنها تدل على قولهم في مسألة إرادة الكائنات من سبعة أوجه : الأول أن الذي حكى عن الكفار في معرض الذم والتقبيح وذلك قولهم : «لو شاء الله منا أن لا نشرك لم نشرك» هو صريح قول المجبرة