لهم على قولهم شهود فقال : (قُلْ هَلُمَ) ومعناه إذا كان لازما أقبل وإذا كان متعديا أحضر. قال الخليل : أصله «هالم» من قولهم لمّ الله شعثه أي جمعه كأنه قال : لمّ نفسك إلينا أي أقرب والهاء للتنبيه واستعطاف المأمور ، ثم حذفت ألفها لكثرة الاستعمال وجعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتذكير والتأنيث في لغة أهل الحجاز ، وأهل نجد يصرفونها «هلما هلموا هلمي هلممن» والأول أفصح وقد يوصل بإلى كقوله تعالى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨] وقال الفراء : أصلها «هل أم» أرادوا بهل حرف الاستفهام ومعنى أم اقصد. وقيل : إن أصل استعماله أن قالوا هل لك في الطعام أم أي اقصد. ثم شاع في الكل. أمر الله تعالى نبيه باستدعاء إقامة الشهداء من الكافرين ليظهر أن لا شاهد لهم على تحريم ما حرموه. وإنما لم يقل شهداء يشهدون لأنه ليس الغرض إحضار أناس يشهدون بالتحريم وإنما المراد إحضار شهدائهم الموسومين بالشهادة لهم المعروفين بنصرة مذهبهم ولهذا قال : (فَإِنْ شَهِدُوا) أي فإن وقعت شهادتهم (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي لا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم لأن شهادتهم محض الهوى والتعصب ولأجل ذلك قال أيضا : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالتكذيب وليرتب عليه باقي الآية فيعلم أن المتصف بهذه الصفات لا تكون شهادتهم عند العقلاء مقبولة.
التأويل : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) في القلوب (مَعْرُوشاتٍ) من شجرة الإسلام والإيمان والإحسان (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) هي الصفات الروحانية التي جبلت القلوب عليها كالسخاء والحياء والوفاء والمودة والفتوة والشفقة والعفة والعلم والحلم والعقل والشجاعة والقناعة ونخل الإيمان وزرع الأعمال الصالحة وزيتون الأخلاق الحميدة ورمان الإخلاص بالشواهد والأحوال (مُتَشابِهاً) أعمالها (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أحوالها (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) انتفعوا من ثمار الإيمان والأعمال والإخلاص بالشواهد والأحوال لا بالدعاوى والقيل والقال. (وَآتُوا حَقَّهُ) وحقه دعوة الخلق وتربيتهم بالحكمة والموعظة الحسنة و (يَوْمَ حَصادِهِ) أوان بلوغ السالك مبلغ الرجال البالغين عند إدراك ثمرة الكمال للواصلين دون السالك الذي يتردد بعد بين المنازل والمراحل. (وَلا تُسْرِفُوا) بالشروع في الكلام في غير وقته والحرص على الدعوة قبل أوانها. (وَمِنَ الْأَنْعامِ) أي ومن الصفات الحيوانية التي هي مركوزة في الإنسان ما هو مستعد لحمل الأمانة وتكاليف الشرع ، ومنها ما هو مستعد للأكل والشرب لصلاح القالب وقيام البشرية. (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) فرزق القلب هو التحقيق من حيث البرهان ، ورزق الروح هو المحبة بصدق التحرز عن الأكوان ، ورزق السر هو شهود العرفان