إلا واحدة» (١) (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي إنك بعيد من أقوالهم ومذاهبهم والعقاب اللازم على تلك الأباطيل مقصور عليهم لا يتعداهم إليك. وقال السدي : معناه لم تؤمر بقتالهم فلما أمر بقتالهم نسخ. ويحتمل أن يقال : إن النهي عن القتال في وقت لا ينافي الأمر في وقت آخر فلا نسخ (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) بالاستئصال والإهلاك (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) وفيه من الوعيد ما فيه. وفي الآية حث على أن كلمة المسلمين يجب أن تكون واحدة ليستأهلوا الثواب الجزيل كما قال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) هي لا إله إلا الله والسيئة الشرك. والأولى حملها على العموم (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أقام صفة الجنس المميز مقام الموصوف تقديره : عشر حسنات أمثالها كقراءة من قرأ (عَشْرُ أَمْثالِها) بالرفع والتنوين ، قيل : هذا أقل الموعود وقد وعد سبعمائة وبغير حساب. وقيل : ليس المراد التحديد بل أراد الأضعاف مطلقا كقول القائل : لئن أسديت إليّ معروفا لأكافئنك بعشرة أمثاله. وفي الوعيد لئن كلمتني واحدة لأكلمنك عشرا. روى أبو ذر أن النبي صلىاللهعليهوآله قال عن الله تعالى : «الحسنة عشر أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفر فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره» وقال صلىاللهعليهوآله يقول الله تعالى : «إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة وإن لم يعملها فإن عملها فعشر أمثالها وإن هم بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فسيئة» (٢) (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي لا ينقص من ثواب طاعاتهم ولا يزاد على عقاب سيآتهم. أسئلة : ما الحكمة في الأضعاف؟ جوابه كان للأمم أعمار طويلة وطاعات كثيرة فوضع الله لهذه الأمة ليلة القدر حيرا من ألف شهر وأضعاف الأعمال (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) [البقرة : ٢٦١] (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠] وأيضا لو أن الخصماء يتعلقون بهم يوم القيامة فيذهبون بأعمالهم إلى أن تبقى الأضعاف فيقول الله أضعافهم ليست من فعلهم هي من رحمتي فلا أقتص منهم أبدا. آخر : كيف يوجب الكفر عقاب الأبد؟ جوابه أن الكافر كان على عزم الكفر لو عاش أبدا فاستحق العقاب الأبدي بناء على ذلك الاعتقاد بخلاف المسلم المذنب فإنه يكون على عزم الإقلاع فلا جرم تكون عقوبته منقطعة ، وأيضا الذي جهله الكافر وهو ذات القديم سبحانه وصفاته شيء لا نهاية له فيكون جهله لا يتناهى فكذا عقابه.
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب السنّة باب ١. الترمذي في كتاب الإيمان باب ١٨. ابن ماجه في كتاب الفتن باب ١٧. أحمد في مسنده (٢ / ٣٣٢) (٣ / ١٢٠ ، ١٤٥).
(٢) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٢٠٣ ، ٢٠٤. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٦ باب ١٠. أحمد في مسنده (١ / ٢٢٧ ، ٢٤٢).