(لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) أي لأجل بلد ميت ليس فيه نبات ولا زرع ، والبلد كل موضع من الأرض عامر أو غير عامر خال أو مسكون. (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) قال الزجاج وابن الأنباري : أي بالبلد. وجائز أن يراد بالسحاب أو بالسوق فالباء للسببية. (فَأَخْرَجْنا بِهِ) قال الزجاج : أي بالبلد. (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ويجوز أن يراد أي بالماء. قال جمهور الحكماء : إنه تعالى أودع في الماء قوّة وطبيعة توجب حدوث الأحوال المخصوصة عند امتزاج الماء بالتراب. وقال أكثر المتكلمين : إن الثمار ليست متولدة من الماء وإنما أجرى الله تعالى عادته بخلق النبات ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتراب (كَذلِكَ) مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات. (نُخْرِجُ الْمَوْتى) فالتشبيه إنما وقع في أصل الإحياء أي كما أحيا هذا البلد وأنبت فيه الشجر وجعل فيه الثمر كذلك يحيي الموتى بعد أن كانوا ترابا لأن من قدر على إحداث الجسم وخلق الرطوبة والطعم فيه كان قادرا على إحداث الحياة في بدن الميت. وقال كثير من المفسرين : المراد أنه تعالى كما يخلق النبات بواسطة إنزال الماء كذلك يحيي الموتى بواسطة إنزال مطر على الأجساد الرميمة. يروى أنه يمطر على أجساد الموتى فيما بين النفختين مطر كالمني أربعين يوما فينبتون عند ذلك أحياء. وعن مجاهد : تمطر السماء عليهم حتى تنشق عنهم الأرض كما ينشق الشجر عن النور والثمر ، ثم يرسل الأرواح فتعود كل روح إلى جسدها. قال العلماء : إن هؤلاء المفسرين ذهبوا إلى هذا بناء على النقل وعلى إجراء العادة وإلا فإنه تعالى قادر على خلق الحياة في الجسم ابتداء من غير واسطة المطر كما أنه يجمع بقدرته الأجزاء المتفرقة والمتمزقة غاية التفرق والتمزق ولهذا ختم الآية بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) والمعنى أنكم شاهدتم أن الأرض كانت مزينة وقت الربيع والصيف والخريف بالأزهار والثمار والأشجار ثم صارت وقت الشتاء ميتة عارية عن تلك الزينة ، ثم أحياها مرة أخرى ، فالقادر على إحيائها قادر على إحياء الأجساد بعد موتها ، ثم ضرب الله سبحانه مثلا للمؤمن والكافر وشبه القرآن بالمطر ، وذلك أن الأرض الحرة إذا نزل بها المطر حصل فيها أنواع الأزهار والثمار والأرض السبخة بعد نزول المطر لا يخرج منها إلا النزر القليل من النبات ، فكذلك النفس الطاهرة النقية من شوائب الأخلاق الذميمة إذا اتصل بها أنوار القرآن ظهرت عليها أنواع المعارف والأخلاق الفاضلة ، والنفس الخبيثة لا ترجع من ذلك إلا بخفي حنين. وقيل : ليس المراد من الآية تمثيل المؤمن والكافر وإنما المراد أن الأرض السبخة يقل نفعها وثمرتها ، ومع ذلك فإن صاحبها لا يهمل أمرها بل يتعب نفسه في إصلاحها طمعا منه في تحصيل ما يليق بها من المنفعة. فمن يطلب هذا النفع اليسير فلأن يطلب النفع العظيم الموعود به في الدار الآخرة بالمشقة التي لا بد منها ومن تحملها في أداء الطاعات كان