عن الآباء والأبناء والإخوان واجب بسبب الكفر. ومعنى استحبوا اختاروا وهو في الأصل طلب المحبة. ثم إن النهي كان يحتمل أن يكون نهي تنزيه لا تحريم فلإزالة الوهم ختم الآية بقوله (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) قال ابن عباس : يريد أنه يكون مشركا مثلهم لأن الرضا بالشرك شرك. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله حتى يحب في الله أبعد الناس ويبغض في الله أقرب الناس» (١) وعن ابن عباس : هي في المهاجرين خاصة كان قبل فتح مكة من آمن لم يتم إيمانه إلا بأن يهاجر ويصارم أقاربه الكفرة ويقطع موالاتهم .. فقالوا : يا رسول الله إن نحن اعتزلنا من يخالفنا في الدين قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا وذهبت تجارتنا وهلكت أموالنا وخربت ديارنا ضائعين فنزلت (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ) الآية. فهاجروا فجعل الرجل يأتيه ابنه وأبوه وأخوه أو بعض أقاربه فلا يلتفت إليه ولا ينزله ولا ينفق عليه ثم رخص لهم بعد ذلك. وقيل : نزلت في التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة فنهى الله عزوجل عن موالاتهم. قال الواحدي : عشيرة الرجل أهله الأدنون وهم الذين يعاشرونه. ومن قرأ على الوحدة فلأن العشيرة اسم جمع. ومن قرأ على الجمع فلأن كل واحد من المخاطبين له عشيرة. قال الأخفش : لا تكاد العرب تجمع عشيرة على عشيرات وإنما يجمعونها على عشائر القرآن حجة عليه. والاقتراب الاكتساب والتركيب يدور على الدنو والكاسب يدني الشيء من نفسه ويدخله تحت ملكه. والترتيب المذكور في الآية غاية الحسن لأن أعظم الأسباب الداعية إلى المخالطة القرابة القريبة ثم البعيدة ، ثم إنه يتوسل بتلك المخالطة إلى إبقاء الأموال المكتسبة ثم إلى التجارات المثمرة ، وفي آخر المراتب الرغبة في الأوطان التي بنيت للسكنى ، فبيّن تعالى أنه يجب تحمل هذه المضار في الدنيا ليبقى الدين سليما ، وذكر أنه إن كانت رعاية هذه المصالح الدنيوية أولى عندهم من طاعة الله وطاعة رسوله ومن المجاهدة في سبيل الله (فَتَرَبَّصُوا) انتظروا بما تحبون (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) عن الحسن هو عقوبة عاجلة أو آجلة. وقيل : يعني القتال. وعن ابن عباس : هو فتح مكة وفيه بعد لما روي أن هذه السورة نزلت بعد فتح مكة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) الخارجين عن طاعة الله إلى معصيته ولا يخفى ما فيه من التهديد. ثم لما أوجب ترك مصالح الدنيا لأجل الدين أراد أن يبين أن كل من أعرض عن الدنيا لأجل مصالح دينه فإن الله تعالى يراعي مصالح دنياه فيفوز بسعادة الدارين وضرب لنا مثلا فقال (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) قال الواحدي : النصر المعونة على الأعداء
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب السنّة باب ١٥. الترمذي في كتاب القيامة باب ٦٠. أحمد في مسنده (٣ / ٤٣٨ ، ٤٤٠) بلفظ «من أحب لله وأبغض لله ... فقد استكمل الإيمان».