من يحبه الله يبتليه. وعن الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل : إنك عليل صاحب ضرر. فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل فإن لم تمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع. وعن أنس قال : قرأ أبو طلحة هذه الآية فقال : ما أسمع الله عذر أحدا فخرج مجاهدا إلى الشام حتى مات. وقال السدي : جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان عظيما سمينا وشكا إليه وسأله أن يأذن له فنزل فيه (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) فاشتد شأنها على الناس فنسخها الله بقوله (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) [التوبة : ٩١] الآية. وقيل : لا حاجة إلى التزام النسخ لأن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك بالاتفاق ، ولا شك أنه صلىاللهعليهوسلم خلف من النساء والرجال أقواما فذلك يدل على أن هذا الوجوب ليس على الأعيان ولكنه من فروض الكفايات. فمن أمره الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يخرج لزمه ذلك ومن أمره أن يبقى لزمه أن يبقى. ولقائل أن يقول : لا نزاع في هذا إنما النزاع في الضعفاء والمرضى. ثم قال (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وفيه إيجاب للجهاد بهما إن أمكن ، أو بالنفس إن لم يكن مال زائد على أسباب الجهاد ، أو بالمال بأن يستنيب من يغزو وعنه إن لم تكن له نفس سليمة صالحة للجهاد وهذا قول كثير من العلماء. (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) يعني أنه خير في نفسه أو أنه خير من القعود لما فيه من الراحة والدعة والنعيم العاجل. وإنما قال (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لأن ما يحصل من الخيرات في الجهاد لا يدرك إلا بالتأمل ولا يعرفه إلا المؤمن الذي عرف بالدليل أن وعد الله حق. ثم نزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) قال الزجاج : أي لو كان المدعو إليه فحذف لدلالة ما تقدم عليه. والعرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومنه قولهم : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، والمراد بالقرب سهولة مأخذه (وَسَفَراً قاصِداً) أي وسطا بين القرب والبعد وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد أي ذو قصد لأن كل أحد يقصده. والشقة المسافة الشاقة الشاطة ، ووصف المسافة البعيدة بالبعد مبالغة نحو جد جدّة. وفحوى الكلام لو كانت المنافع قريبة الحصول والسفر وسطا (لَاتَّبَعُوكَ) طمعا في الفوز بتلك المنافع ولكن طال السفر فكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة. ثم أخبر أنه سيجدهم إذا رجع من الجهاد يحلفون بالله إما ابتداء على طريق إقامة العذر وإما عند ما يعاتبهم بسبب التخلف وقد وقع كما أخبر فكان معجزا. و (بِاللهِ) متعلق بـ (سَيَحْلِفُونَ) أو هو من جملة كلام المتخلفين والقول مقدر في الوجهين أي سيحلفون بالله قائلين (لَوِ اسْتَطَعْنا) وقوله (لَخَرَجْنا) سادّ مسدّ جوابي القسم ولو جميعا. قيل : في الآية دلالة على أن قوله (انْفِرُوا) خطاب