للمستطيعين وإلا لما أمكنهم جعل عدم الاستطاعة عذرا في التخلف. قال الجبائي : فيها دليل على أن الاستطاعة قبل الفعل وإلا لما كذبهم الله تعالى ، فإن لم من يخرج إلى القتال لم يكن مستطيعا للقتال عند من يجعل الاستطاعة مع الفعل. وقال الكعبي : زائدا عليه فإن قيل : لم لا يجوز أن يراد أنهم ما كان لهم زاد ولا راحلة ولا يراد نفس القدرة؟ قلنا إن من لا راحلة له يعذر في ترك الخروج فمن لا قدرة له أولى. وأيضا الظاهر من الاستطاعة قوة البدن وإذا أريد به المال فلأنه يعين على ما يفعله الإنسان بقوة البدن. وأجيب بأن المعتزلة سلموا أن القدرة على الفعل لا تتقدم الفعل إلا بوقت واحد فإن الإنسان الجالس في مكان لا يكون قادرا في هذا الزمان على أن يفعل فعلا في مكان بعيد عنه وإنما يقدر على فعله في المكان الملاصق لمكانه. فالقوم الذين تخلفوا ما كانوا قادرين على القتال عندنا وعندهم فيلزمهم ما ألزموه علينا فوجب المصير إلى تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة فيسقط السؤال. ولقائل أن يقول : إنهم وإن كانوا غير قادرين على القتال إلا أنهم كانوا قادرين على الاشتغال بأسباب القتال فيعود السؤال. قال في الكشاف (يُهْلِكُونَ) بدل من (سَيَحْلِفُونَ) أو حال أي يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب ، أو حال من ضمير (لَخَرَجْنا) أي لخرجنا معكم وإن ألقينا أنفسنا في التهلكة. وإنما جاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم. حلف بالله ليفعلن أو لأفعلن فالغيبة على الإخبار والتكلم على الحكاية. قلت : وفي الوجه الأخير نظر للزوم بناء أول الكلام على التكلم وآخره على الغيبة ، ولعل الصحيح حينئذ أن لو قيل : لخرجنا معكم نهلك أنفسنا والله تعالى أعلم.
ثم بين أن ذلك التخلف من بعضهم كان بإذن الرسول ولهذا توجه عليه العتاب بقوله (عَفَا اللهُ عَنْكَ) فإن العفو يستدعي سابقة الذنب. وبقوله (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) فإنه استفهام في معنى الإنكار وبيان لما كنى عنه بالعفو. قال قتادة وعمرو بن ميمون : شيئان فعلهما الرسول لم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من الأسارى. فعاتبه الله بطريق الملاطفة كما تسمعون. والذي عليه المحققون أنه محمول على ترك الأولى. وقوله (عَفَا اللهُ عَنْكَ) إنما جاء على عادة العرب في التعظيم والتوقير فيقدمون أمثال ذلك بين يدي الكلام يقولون : عفا الله عنك ما صنعت في أمري ، رضي الله عنك ما جوابك عن كلامي ، وعافاك الله ألا عرفت حقي. وبعد حصول العفو من الله تعالى يستحيل أن يكون قوله (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) واردا على سبيل الذم والإنكار بل يحمل على ترك الأكمل والأولى لا سيما وهذه الواقعة كانت من جنس ما يتعلق بالحروب ومصالح الدنيا. قال كثير من العلماء : في الآية دلالة على جواز الاجتهاد لأنه عليهالسلام أذن لهم من تلقاء نفسه من غير أن