يتلفظوا به» (١) ولأن قوله عز من قائل (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) ظاهره مشعر بالقول اللساني. والمراد بالفضل إيتاء المال بطريق التجارة أو الاستغنام ونحوهما. وأصل (لَنَصَّدَّقَنَ) لنتصدقن أدغمت التاء في الصاد. والمصدق المعطي لا السائل كقوله تعالى (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) [يوسف : ٨٨] ومعنى قوله (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) عن ابن عباس أنه أراد الحج. ولعل المراد إخراج كل ما يجب إخراجه إذ لا دليل على التقييد. ثم وصفهم بصفات ثلاث فقال (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) فالبخل عبارة عن منع الحق الشرعي ، والتولي نقض العهد ، والإعراض أراد به الإحجام عن تكاليف الله وأن ذلك منهم عادة معتادة ، ولترتب هذا الذم عل أمنع الصدقة ولإطلاق لفظة البخل عليه وهو في عرف الشرع عبارة عن منع الواجب. ذكر العلماء أن الصدقة الملتزمة في قوله (لَنَصَّدَّقَنَ) هي الصدقة الواجبة. وأن الرجل قد عاهد ربه أن يقوم بما يلزمه من الإنفاقات الواجبة. إن وسع الله عليه دون ما يلتزمه الإنسان بالنذر من المندوبات إذ لا دليل في الآية على ذلك مع أن سبب النزول يأباه. فإن قيل : الزكاة لا تلزم بسبب الالتزام وإنما تلزم بسبب ملك النصاب وحلول الحول. قلنا إن قوله (لَنَصَّدَّقَنَ) لا دليل فيه على الفور بل المراد لنصدقن في وقته الذي يليق به. وفي الآية دلالة على أن الرجل حين عاهد بهذا العهد كان مسلما ثم إنه لما بخل بالمال ولم يف بالعهد صار منافقا ويؤكده قوله سبحانه (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً) عن الحسن وقتادة أن أعقب مسند إلى ضمير البخل أي أورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم لأنه كان سببا فيه وباعثا عليه ، وكذا التأويل إن جعل عائدا إلى التولي أو الإعراض. وضعت بأن حاصل هذه الأمور كونه تاركا لأداء الواجب وذلك لا يمكن جعله مؤثرا في حصول النفاق فى القلب لأن ترك الواجب عدم والنفاق جهل وكفر وهو أمر وجودي والعدم لا يؤثر في الوجود ، ولأن هذا الترك قد يوجد في حق كثير من الفساق مع أنه لا يحصل معه النفاق ، ولأنه لو أوجب حصول الكفر في القلب لأوجبه سواء كان الترك جائزا شرعا أو محرما فسبب اختلافات الأحكام الشرعية لا يخرج السبب عن كونه مؤثرا ، ولأن البخل أو التولي أو الإعراض هو بعينه خلاف ما وعدوا الله به فيصير تقدير الآية إن التولي أوجب النفاق بسبب التولي وهذا كلام كما ترى فلم يبق إلا أن يسند الفعل إلى الله تعالى فيكون فيه دليل
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب ١٥. مسلم في كتاب الإيمان حديث ٢٠١ ، ٢٠٢. أبو داود في كتاب الطلاق باب ١٥. الترمذي في كتاب الطلاق باب ٨. ابن ماجه في كتاب الطلاق باب ١٤. أحمد في مسنده (٢ / ٢٥٥ ، ٢٩٣).