يؤخرونها إلى مشيئة الله ويقولون : إنهم مرجون لأمر الله. وقال الأوزاعي : لأنهم يؤخرون العمل عن الإيمان. وقال ابن عباس : نزلت في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ، أمر رسول الله أصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم ولم يفعلوا كما فعل أبو لبابة وأصحابه من شد أنفسهم على السواري وإظهار الجزع والغم ، فلما علموا أن أخذا لا ينظر إليهم فوضوا أمرهم إلى الله وأخلصوا نياتهم فقبلت توبتهم ونزل فيهم (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) كما سيجيء. وقال الحسن : إنهم قوم من المنافقين حذرهم الله بهذه الآية إن لم يتوبوا. وقوله : (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) التشكيك فيه راجع إلى العباد أي ليكن أمرهم على الخوف والرجاء وكان يقول أناس هلكوا إن لم ينزل الله لهم عذرا ، ويقول آخرون : عسى الله أن يغفر لهم. قال الجبائي : جعل أمرهم دائرا بين التعذيب والتوبة فدل ذلك على انتفاء القسم الثالث وهو العفو من غير التوبة ، وأجيب بأنه يجوز أن تكون المنفصلة مانعة الجمع فقط. ولما ذكر أصناف المنافقين وبين طرائقهم المختلفة قال : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) كأنه قال : ومنهم الذين اتخذوا. في الكشاف : أن محله النصب على الاختصاص ، أو الرفع على الابتداء وخبره محذوف أي وممن وصفوا هؤلاء الأقوام. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعامة أهل التفسير : كانوا اثني عشر رجلا بنوا مسجدا يضارّون به مسجد قباء. وروي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء بعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم بنو غنم بن عوف وقالوا : نبني مسجدا كذلك.
واعلم أنه سبحانه حكى أن الباعث لهم على هذا العمل كان أمورا أربعة : الأول الضرار وهو المضارة والثاني الكفر بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبالإسلام وذلك أنهم أرادوا تقوية أهل النفاق ، والثالث التفريق بين المؤمنين لأنهم أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء فتقل جماعتهم ولا سيما إذا صلى النبي في مسجدهم فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة وبطلان الألفة ، والرابع قوله : (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وقوله (مِنْ قَبْلُ) يتعلق بـ (حارَبَ) أي من قبل بناء مسجد الضرار. وقال في الكشاف : إنه متعلق بـ (اتَّخَذُوا) والمراد من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف. قال الزجاج : الإرصاد الانتظار. وقال ابن قتيبة : الانتظار مع العداوة. وقال الأكثرون : إنه الإعداد. والمراد بمن حارب أبو عامر الراهب والد أبي حنظلة الذي غسلته الملائكة ، وسماه رسول الله الفاسق وكان قد تنصر في الجاهلية وترهب وطلب العلم فلما ظهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عاداه لأنه زالت رياسته وقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد : لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فلم يزل يقاتله إلى يوم