شذا النبوة ، ونعموا بظلالها الوارفة ، واستناروا بما يلوح من أضوائها الباقية وقد بدأت تنحسر بعيد الغروب!
ولا بد لدارس «النهج» أن يلم بهذه الحقائق ليرى رأي العين كيف تحولت هذه الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض ، وكيف أشعلت من أجلها الحروب الطاحنة ، وأثخنت الأمة في سبيلها بالجراح الدامية ، وأصيب مقتلها بمصرع إمام الهدى علي كرم الله وجهه ، ثم ارتكبتباسمها فيما بعد أسوأ الجرائم في عهود بعض السفهاء والخلعاء والجائرين الذين أمسوا نقمة على أتباع هذا الدين.
ثم لا بد لدارس «النهج» أن يكون لنفسه صورة حقيقة عن تلك الحقبة من تاريخ المسلمين ، ليستنبط البواعث النفسية التي حملت عليا على الإكثار في خطبه من النقد والتعريض ، والعتاب والتفريع ، والتذمر والشكوى ، فقد عائدته الأيام ، وعجت خلافته عجيجا بالأحداث المريرة ، وخابت آماله في تحقيق الإصلاح. فهل من عجب إذا استغرقت معاني النقد اللاذع والتأنيب الجارح معظم خطبه ومناظراته ، وحتى رسائله إلى منافسيه والمتمردين عليه؟!
وإن خير مثال يصور لنا نفس على الشاكية ، خطبته «الشقشقية» التي فاضت على لسانه هادرة ، فكانت ـ كما قال ـ «شقشقة هدرت ثم قرت» ، وامتلأت بألفاظ التأوه والتوجع والأنين.
ولكم تذمر الإمام من تفرق أصحابه عنه على حقهم واجتماع أصحاب معاوية معه على باطلهم! وكم سماهم «الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم» واصفا كلامهم بأنه «يوهي الصم الصلاب» وفعلهم بأنه «يطمع فيهم الأعداء».
وكان طبيعيا أن تكبر خطب الإمام في الحث على القتال ، فإن ما تخلل حياته السياسة من الأحداث المريرة ألهب مشاعره وأثار عواطفه ، وحمله على الإهابة بقومه إلى القتال الدائب.والجهاد المتواصل. ولعل أفضل نمط لخطبه في الجهاد تلك التي أنب فيها أصحابه على قعودهم عن نصرة الحق ، يوم أغار جنود معاوية على الأنبار ، فقتلوا ونهبوا ، ثم آبوا سالمين ظافرين.
لقد كان ـ كما قال ـ لا يهدد بالحرب ، ولا يرهب بالضرب ، وكان على يقين من ربه وغيره شبهة في دينه ، فليفرطنّ لحزب الشيطان حوضا هو ماتحُهُ لا يصدرون عنه ولا