من الفكر النير والمنطق السليم : فلا مكان في هذه التشريعات والعقائد للثرثرة الفارغة والجدل العقيم!
إن على علماء المسلمين اليوم ـ من أي مذهب كانوا ـ أن يستذكروا الكلمات الحلوة العذاب ، التي توحد الصف ، وتلم الشعث ، وترأب الصدع ، حتى نعتصم جميعا بحبل الله غير متفرقين.
وأود أن يعلم إخواننا من شيعة علي عليهالسلام أن مكان الإمام من ابن عمه الرسول الكريم لا يجهلها مسلم ، وأن الأحاديث النبوية التي تصف منزلته الخصيصة لا يحصيها المحصون. ولكن الناس أعداء ما جهلوا كما قال علي كرم الله وجهه.
أن مما أفضى به الإمام إلى عشيرته قوله : «أما وصيتي : فالله لا تشركوا به شيئا ، ومحمدا فلا تضيعوا سنته. أقيموا هذين العمودين ، وأوقدوا هذين المصباحين».
ولما حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه ، وسد فواره من ينبوعه ، وجدحوا بين علي وبينهم شربا وبيئا ، أقبل الظالم منهم مزيدا كالتيار لا يبالي ما غرق ، وأو كوقع النار في الهشيم لا يحفل ما حرق ، ولما رأي أول القوم قائدا لآخرهم ، وآخرهم مقتديا بأولهم ، يتنافسون في دينا دنية ، ويتكالبون على جيفة نتنة ، نبه الأتباع والمتبوعين وهتف بهم : «عما قليل ليستبرَّ أن التابع من المتبوع ، والقائد من المقود ، فيتزايلون بالبغضاء ويتلاعنون عند اللقاء» بينما هتف بأصحابه يدعوهم إلى وحدة الكملة : «الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة ، وبنيت عليه أركان الطاعة ، واقدموا على الله مظلومين ، ولا تقدموا عليه ظالمين».
بل أنشأ الإمام عليهالسلام يصنف الناس في موقفهم منه أصنافا ، تهدئة للمشاعر الثائرة ، وكبحا لجماح النفوس : إنه هو الذي قال : «إن الناس من هذه الأمر إذا حرك على أمور : فرقة ترى ما ترون ، وفرقة ترى ما لا ترون ، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك ، فاصبروا حتى يهدأ الناس ، وتقع القلوب مواقعها».
وحتى يوم صفين لم يكن يشغل باله ويقلق خاطره إلا تفرق الأمة وضياع الدين ، ففي خطابه لأصحابه يومذاك قال : «ألا وإنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم».