والقرآن لا يجوز على غير المختار ، تمحل له النحاة وجها يخرج به عن الحدّ المذكور ، لئلا يلزم منه غير المختار.
فنقول : ما بعد الفاء يعمل فيما قبلها إذا كانت زائدة ، كما في قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ...) إلى قوله (فَسَبِّحْ)(١) كما يجيء في الظروف المبنية ، أو تكون الفاء واقعة غير موقعها لغرض ، كما في «وربّك فكبر» ، و (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٢) ، وأما إذا لم تكن زائدة وكانت واقعة في موقعها ، فما بعدها لا يعمل فيما قبلها ، كما تقدم.
وفي الآية هي كذلك ، لكون الألف واللام في «الزانية» مبتدأ موصولا ففيه الشرط ، واسم الفاعل الذي هو صلته ، كالشرط ، فخبر المبتدأ كالجزاء ، وهذا الذي ذكرته مذهب الفراء والمبرد ، فالفاء واقعة في موقعها فيخرج عن الحد بقوله مشتغل عنه بضميره أو متعلقه ،
وقال سيبويه : هما جملتان : أي : الزانية والزاني مبتدأ محذوف المضاف ، أي حكم الزانية ... والخبر محذوف ، أي : فيما يتلى عليكم بعد ، وقوله : فاجلدوا .. هو الذي وعد بأن حكم الزانية فيه ، والفاء عنده أيضا للسببية ، أي : إن ثبت زناهما فاجلدوا ، فخرج أيضا بقوله : مشتغل عنه بضميره ، كما قدمنا.
قوله : «وإلا فالمختار النصب ، أي لو لا التقدير ان المذكوران للمبرد وسيبويه ، لكان من هذا الباب ، فكان المختار النصب لقرينة الطلب ، التي هي أقوى قرائنه (٣).
وتقدير المبرد أقوى لعدم الاضمار فيه ، كما في تقدير سيبويه ؛ هذا آخر شرح كلام المصنف.
__________________
(١) الآيتان ١ ـ ٣ من سورة النصر.
(٢) الآية ٩ من سورة الضحى.
(٣) وهذا هو محمل قراءة عيسى بن عمر التي تقدمت الاشارة إليها في الصحيفة السابقة.