التنوين حرفا من جنس الحركة التي قبله ، فلو أبدلت في الرفع لقلت : «زيدو» ، وفي الخفض لقلت : «زيدي» ، والياء والواو ثقيلتان. وأمّا في النصب فتبدل ، لأنّ الذي قبل التنوين فتحة ، فإذا أبدلت فإنّما تبدل الألف وهي خفيفة ، نحو : «رأيت زيدا». فلمّا كان ما قبل التنوين في المنقوص فتحة في جميع الأحوال ساوى الرفع والخفض النصب ، فوجب الوقف عنده في الأحوال الثلاثة بالألف.
وهذا الذي ذهب إليه باطل ، إذ لو كان الأمر على ما زعم لم تقع الألف من المقصور قافية ، لأنّ مجيء الألف المبدلة من التنوين قافية لا يجوز.
ومنهم من ذهب إلى أنّ الألف هي الأصل ، والمبدلة من التنوين محذوفة في جميع الأحوال ، وهو الكسائيّ. وحجّته أنّ حذف الألف الزائدة أولى من حذف الأصليّة.
وذلك باطل ، لأنّ الزيادة لمعنى ، فإبقاؤها أولى من إبقاء الأصل. وممّا يدلّ على ذلك أنّهم إذا وصلوا قالوا : «هذه عصا معوجّة» ، فحذفوا الألف الأصليّة ، وأبقوا التنوين. فكذلك يجب في الوقف أن يكون المحذوف الألف الأصليّة ، ويكون الثابت ما هو عوض من التنوين.
ومنهم من ذهب إلى أنّ الألف في حال الرفع والخفض هي الألف الأصليّة ، والتنوين محذوف ، وفي النصب هي الألف المبدلة من التنوين ، والألف الأصليّة محذوفة ، قياسا للمعتلّ على الصحيح. وهو مذهب سيبويه ، وهو الصحيح. ومما يؤيّد ذلك كون المنقوص يمال في حال الرفع والخفض ، ولا يمال في حال النصب ، ومجيء الألف قافية في الرفع والخفض ، ولا تكون قافية في حال النصب إلّا قليلا جدّا ، على لغة من قال : «رأيت زيد». قال العجاج (١) :
خالط ، من سلمى ، خياشيم وفا
والثاني : الوقف على النون الخفيفة ، اللّاحقة للأفعال المضارعة للتأكيد ، نحو : «هل تضربن». فإنّك إذا وقفت عليه قلت : «هل تضربا». والسبب في ذلك أيضا ما ذكرناه في التنوين ، من قصد التفرقة بين النون التي هي من نفس الكلمة ، والنون التي تلحق الكلمة بعد كمالها. نحو قوله (٢) :
فإيّاك والميتات ، لا تقربنّها |
|
ولا تعبد الشّيطان ، والله فاعبدا |
يريد «فاعبدن».
__________________
(١) ديوانه ص ٨٣.
(٢) البيت للأعشى في ديوانه ص ١٨٧ حيث روي كما يلي :
فإيّاك والميتات لا تأكلنّها |
|
ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا |
وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه |
|
ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا |