كان المصدر أصلا والفعل فرعا ، لأن الفرع لا بد وأن يكون فيه الأصل.
٧ ـ لو كان المصدر مشتقا من الفعل لكان يجب أن يجري على سنن في القياس ، ولم يختلف كما لم يختلف أسماء الفاعلين والمفعولين ، ولوجب أن يدلّ على ما في الفعل من الحدث والزمان ، وعلى معنى ثالث ، كما دلّت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وذات الفاعل والمفعول به ، فلما لم يكن المصدر كذلك دلّ على أنه ليس مشتقا من الفعل.
وأما حجج الكوفيين فأهمها ما يلي :
١ ـ إن المصدر يصحّ لصحة الفعل ويعتلّ لاعتلاله نحو : قاوم قواما وقام قياما.
٢ ـ إن الفعل يعمل في المصدر نحو : ضربت ضربا. وبما أن رتبة العامل قبل رتبة المعمول ، وجب أن يكون المصدر فرعا على الفعل.
٣ ـ إن المصدر يذكر تأكيدا للفعل ، نحو : ضربت ضربا. ورتبة المؤكّد قبل رتبة المؤكّد.
٤ ـ إنّ ثمّة أفعالا لا مصادر لها وهي : نعم ، بئس ، عسى ، ليس ، فعلا التعجب ، وحبّذا ، فلو كان المصدر أصلا لما خلا من هذه الأفعال ، لاستحالة وجود الفرع من غير أصل.
٥ ـ إن المصدر لا يتصوّر معناه ما لم يكن فعل فاعل ، والفاعل وضع له «فعل» و «يفعل» ، فينبغي أن يكون الفعل الذي يعرف به المصدر أصلا للمصدر.
والواقع أنّ أصل الاشتقاق في اللغة العربيّة ليس واحدا ، فقد اشتق العرب من الأفعال والأسماء (الجامد منها والمشتق) ، والحروف ، ولكن بأقدار ، فأكثر ما اشتق منه الأفعال ، ثم الأسماء ، فالحروف.
فقد اشتقّوا من الأفعال أفعالا ، فقالوا : «يعلم» ، و «اعلم» ، و «تعالم» ، و «تعلّم» ، و «استعلم» من «علم» ، كما اشتقّوا منها أسماء ، فقالوا : «عالم» و «معلوم» من «علم».
كذلك اشتقّوا من الأسماء أسماء ، فقالوا : «فارس» من «الفرس» ، و «تامر» (صاحب التمر) من «التمر» ، و «مسؤولية» من «مسؤول» ، كما اشتقوا منها أفعالا ، فقالوا : «برق» من «البرق» ، و «استحجر» من «الحجر».
وكذلك اشتقوا من الحروف أفعالا ، فقالوا : «لاليت لي» (أي : قلت : لالا) من الحرف «لا» ، و «فأفأت» (تلعثمت في النطق بالحرف الفاء) من الحرف الفاء كما اشتقوا منها أسماء ، فقالوا : «الفأفأة» (التلعثم في النطق بالحرف الفاء) من الفاء.
وكذلك اشتقوا من الجملة ، فقالوا : «بسمل» و «البسملة» من «باسم الله» ،