وجاء في كتاب الممتع في التصريف : اعلم أنّ التضعيف لا يخلو أن يكون من باب إدغام المتقاربين ، أو من باب إدغام المثلين فإن كان من باب إدغام المتقاربين ، فلا يلزم أن يكون أحد الحرفين زائدا بل قد يمكن أن يكون زائدا ، وأن يكون أصلا. وإذا كان الإدغام من جنس إدغام المثلين كان أحد المثلين زائدا ، إلّا أن يقوم دليل على أصالتهما ، على ما يبيّن.
فإن قيل : فيم يمتاز إدغام المتقاربين من إدغام المثلين؟ فالجواب عنه ذلك أن نقول : وجد حرف مضعّف فينبغي أن يجعل من إدغام المثلين ولا تجعله من إدغام المتقاربين إلّا أن يقوم على ذلك دليل لأنّه لا يجوز أن يدغم الحرف في مقاربه من كلمة واحدة لئلّا يلتبس بأنه من إدغام المثلين ؛ ألا ترى أنّك لا تقول في أنملة (١) : «أمّلة» ، لأنّ ذلك ملبس ، فلا يدرى هل هو في الأصل «أنملة» أو «أمملة» فإن كان في الكلمة بعد الإدغام ما يدل على أنه من إدغام المتقاربين جاز الإدغام وذلك نحو قولك : «امّحى الكتاب» أصله : «انمحى» بدليل أنه لا يمكن أن يكون من باب إدغام المثلين إذ لو كان كذلك لكان «افّعل» و «افّعل» ليس من أبنية كلامهم فلمّا لم يمكن حمله على أنّ الإدغام فيه من قبيل إدغام المثلين تبيّن أنه في الأصل «انمحى» لأنّ في كلامهم «انفعل».
فأمّا «همّرش» (٢) فينبغي أن يحمل على أنّ إدغامه من قبيل إدغام المثلين ويكون وزن الكلمة «فعّللا» فتكون ملحقة بـ «جحمرش» (٣) ، لما ذكرناه من أنّ الأصل في كل إدغام يكون في كلمة واحدة أن يحمل على أنّه من قبيل إدغام المثلين إلّا أن يمنع من ذلك مانع. فإذا صغّرت «همّرشا» على هذا القول ، أو كسّرته ، قلت «هميرش» و «همارش» فتحذف إحدى الميمين ، لأنها زائدة.
وأمّا أبو الحسن فزعم أنّ «همّرشا» حروفه كلّها أصول ، وأنّ الأصل «هنمرش» بمنزلة «جحمرش» ثم أدغمت النون في الميم وجاز الإدغام عنده لعدم اللبس وذلك أنّ هذه البنية ـ أعني «فعلللا» ـ لم توجد في موضع من المواضع قد لحقها زوائد للإلحاق فيعلم بذلك أنّ «همّرشا» في الأصل «هنمرش» إذ لو لم يحمل على ذلك وجعل من إدغام المثلين لكان أحد المثلين زائدا ، فيكون كسرا لما ثبت في هذه البنية واستقرّ من أنّها لا تلحقها الزوائد للإلحاق. فتقول : «هنامر» فتردّ النون إلى أصلها ، لمّا زال الإدغام وتحذف الآخر لأنّ حروف الكلمة كلّها أصول.
__________________
(١) الأنملة : المفصل الأعلى من الإصبع.
(٢) الهمّرش : العجوز الكبيرة المسنّة.
(٣) الجحمرش : العجوز الكبيرة.